أنا تقتلني هذه الصور، ابتسامة فقير أمام آلة تصوير يفوق ثمنها مصروف عائلته عاما كاملا،
ليس استعراض مآسي الناس وتحويلها إلى فرجة هو الذي يعذبني، إنما كم تعود لي صورتي وأنا طفل، في مثل هذه العمر الملائكي في عام 1971: خاطت لي أمي بالإبرة من سهر ليلها منديلي الأزرق وحقيبتي المدرسية من بقايا شكارة أمونيتر من البلاستيك، وضعت في جيبي سرا عن أبي كل ما تملك: أربعون مليما، ثم دفعت بي فجرا إلى هذا العالم المتوحش بعيدا عن بيتنا، على بعد ثلاثة أودية وأدغال صنوبر كثيفة والكثير من الوحشة والمخاوف الغامضة، مثل أن يأكلني الذئب كما أكل صديق طفولتي “جمال ولد جفال” أو تحملني سيول وادي بالأحناش، إنما كان لنا وقتها أحلام عظيمة وشرعية، وكان أي طفل فقير في الريف يملك وقتها كل الحظوظ لكي يصبح مهندسا، طبيبا، عالما باحثا تتعارك لأجله كبريات الجامعات، الدراسة كانت مصعدنا الاجتماعي، امتحان السيزيام كان باب العدالة الذي نتساوى أمامه أغنياء أبناء ذوات وفقراء مثلي صنعت لهم أمهاتهم حقائب المدرسة من بقايا شكاير البلاستيك، كانت الحياة أصعب بكثير مما عليه الآن، إنما كان حظنا من العلم، نحن الفقراء وقتها أفضل، فقد كنا دائما الأوائل،
ما يعذبني اليوم، هو ماذا يملك أطفال هذه الصور من أمل في التميز إزاء الدروس الخصوصية ذات الثمن الفاحش لشراء النجاح لأبناء الأثرياء ؟ أي أمل لهؤلاء الأطفال في أن يدخلوا كلية الطب أو الهندسة في ظل تردي الدراسة العمومية وتطور المدارس الخاصة ؟ ترى في وجوههم الملائكية خجلهم من فقرهم في مواجهة آلة تصوير يفوق ثمنها مصروف عائلته عاما كاملا، فقط لتحويل ملامح وجهه إلى سلعة نتعاطف معها تجاريا، فهذا ضروري للأخلاق الحميدة وسعادة الضمير الصناعي، أي شيء أعددنا لأحلام هؤلاء الملائكة لكي لا تتحالف عليهم مشاعر ذل الفقر وخيبة نظام التعليم العمومي إلى الغضب، اختزان الحقد،
أنا تقتلني هذه الصور، لأنها لملائكة بأحلام زائفة، لن تلبث أن تنكشف عن زيف القيم الاجتماعية التي ننادي بها، بعدها لا أحد يعرف شيئا عما سينتهي مصيرهم عندما يقررون أن يحاسبونا على حقوقهم في أحلام الأطفال: أحلام أحباب الله،