تدوينات تونسية

كتالونيا.. كيف بدأت القصة وكيف تتابعت فصولها

محمد عبد العاطي

قصة إقليم كتالونيا الذي يطالب بالانفصال عن إسبانيا وتتردد أخباره في نشرات الأخبار قصة طويلة بدأت منذ ما قبل ألف وخمسمائة عام ولا تزال مستمرة حتى الآن.

الإقليم الذي تبلغ مساحته 32 ألف كيلو متر مربع ويضم أقل قليلا من ألف قرية ومدينة أهمها العاصمة برشلونه لم يشعر يوما أنه إسباني الهوية والقومية، دائما يحافظ على تميزه العرقي واللساني حتى ولو اضطرته الظروف كما حدث مرارا لأن يخضع للحكم الإسباني خضوعا تاما في بعض الفترات وخضوعا جزئيا تحت ما يسمى بالحكم الذاتي في فترات أخرى.
الإقليم له حدود مع فرنسا وإمارة أندورا ومقاطعات إسبانية كما يطل على البحر المتوسط، وقد مكنه هذا الموقع الجغرافي الإستراتيجي من نسج علاقات مع أوروبا ودول حوض المتوسط، كما مكنه من تنوع المناخ والموارد وساعد ذلك على ان يصبح أغنى الأقاليم الإسبانية إذ يمثل ناتجه 18 ٪؜ من إجمالي الناتج القومي للبلاد.

تاريخ طويل مر على هذا الإقليم قبل تكون الدولة الإسبانية الحديثة، فقد كان مستقلا، ثم خضع للاحتلال الإغريقي ثم استقل، ومرت بضع سنين قبل أن يحتله القرطاجيون، ثم ثار ونال استقلاله وطردهم وعاش حرا لبعض الوقت إلا أن حريته سلبت منه مرة أخرى على يد الرومان، ثم استقل، فاحتله القوطيون، ومن بعدهم المسلمون في القرن الثامن الميلادي واستمروا يحكمونه قرابة خمسين عاما إلى أن استقل لكن هذه المرة بمساعدة فرنسا التي ضمته إليها وسلحته ورضي لبعض الوقت بهذا الانضمام ليحمي نفسه من المسلمين واستمرت فرنسا تدعمه ليكون منطقة عازلة بينها وبين الدولة الأندلسية.

ثم ظهر أمير كتالوني ملقب بذي الشعر الكثيف فانتزع استقلال الاقليم من فرنسا وحكم وطال حكمه وحكمت اسرته من بعده، ثم تزوج أحد ورثة العرش من ابنة إقليم أرغون الإسباني وانضمت كتالونيا لارغون وكوَّنا مملكة واحدة، فنازعتها فرنسا العداء وراحت تطالب بما تدعيه حقا تاريخيا في الإقليم، وفي عام 1479 تزوجت ملكة قشتالة إيزابيلا من ملك أرغون فرديناند فانضم الإقليم سياسيا لأول مرة إلى أسبانيا، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن، وعمليات التمرد عن الحكم الاسباني والمطالبة بالاستقلال مستمرة، تارة تنجح، وتارة تفشل، ومرة يستقل استقلالا تاما، ومرة أخرى ينال حكما ذاتيا بصلاحيات تضيق وتتسع على حسب الظرف السياسي، وكانت آخر مرة يخضع خضوعا مطلقا للحكم الإسباني التام في عهد الجنرال فرانكو الذي حكمه كما حكم البلاد كلها بالقبضة الحديدية الباطشة حتى عام 1975، ثم تحررت أسبانيا من الحكم العسكري وبدأت مسيرتها المدنية الديمقراطية.

وصوت الكتالونيون بالأغلبية لصالح دستور 1990 الذي يمنحهم ويمنح كل الأقاليم الأسبانية حكما ذاتيا موسعا واستمر الحال على هذا المنوال إلى يومنا الحالي، ثم عادت الأصوات الاستقلالية تعلو كما علت طوال التاريخ عشرات المرات كما مر بنا، وتطالب بالانفصال عن مدريد وإعلان الدولة الكتالونية المستقلة بعاصمتها برشلونة، ومدريد ترفض وتهدد مما ينذر باضطرابات قد تصل لحد الحرب الأهلية كما حدث في الثلاثينيات من القرت الماضي، ليس بين كتالونيا وأسبانيا فحسب بل بين الكتالونيين أنفسهم، إذ يوافق نصف السكان على الانفصال بينما يرفضه النصف الآخر.
هذه إذاً هي قصة إقليم كتالونيا وفصولها، وهذه هي جذور الأزمة ومساراتها، والتي مرجعها هو غياب الانسجام وفقدان الروح الوطنية الجامعة التي لم تتحقق في الدولة الأسبانية بعد رغم كل هذه السنين التي مرت على إنشائها.

إقليم كتالونيا

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock