تدوينات تونسية

إطالة المقول في إقالة جلول أو السياسي والدراسي

بحري العرفاوي

فور تعيين السيد ناجي جلول وزيرا للتربية كان لي تعليق في تدوينة على صفحتي مفادها أن وزارة التربية تتعرض لأبشع إهانة في تاريخها بتسليم مقاليدها لشخص غير ذي مصداقية وهو المعروف بتقلب مواقفه بحسب مصالحه السياسية كما إنه لا يتورع عن قول خلاف الحقيقة حين يتعلق الأمر بمهاجمة خصومه السياسيين وكلنا يتذكر ما قاله في حادثة شارلي ايبدو بباريس حيث زعم أن المنفذين للعملية الإرهابية هما تونسيان من السلفية ورجح أن يكونا تدربا بتونس في 2012 وهو طبعا يريد حشر الترويكا أو النهضة في المسؤولية.

ثم وحين أراد استرضاء الأولياء في عملية شعبوية سياسوية لم يتردد في مهاجمة المربين والتقليل من شأنهم فيتفوه في كل مناسبة بما يسيء إليهم في كرامتهم وفي وطنيتهم وكفاءاتاهم والجميع يتذكر ما خاطب به تلاميذ أحد معاهد جهة منوبة حين قال لهم أنتم ملاكة والأساتذة كراية وهي إهانة لم يجرؤ عليها قبله أي مسؤول في وزارة التربية.

يلحظ المتابعون لتحركات الوزير وتصريحاته كونه شخصية اندفاعية تستعجل المكاسب السياسية ولا تراعي أي قدر من مقادير الحكمة وبروتوكول التعامل مع المربين فكل ما يعنيه هو اكتساب أعلى نسبة من الإعجاب في عمليات سبر الأراء وهو لا يُخفي طموحه السياسي وعمله من أجل مواقع في السلطة أكبر ولعله لن يقنع برئاسة الحكومة وقد تكون عيناه على رئاسة الجمهورية.

لا أحد يعترض على حق ناجي جلول في أن يكون ذا طموح سياسي كبير أو في أن يرى نفسه شخصية كبيرة تستحق مواقع أعلى ولكن ليس على حساب المربين ولا على حساب أي طرف، فللسياسة آدابها وضوابطها وللمربين قَدْرهم ومكانتهم وليسوا معصومين ولا منزهين على النقد ولكنهم أيضا لن يقبلوا بأن يكونوا مداسا لأي سياسي وهم إذ يدافعون عن كرامتهم إنما يدافعون عن شرف الرسالة التربوية وعن قداسة المعاني والمعارف والقيم التي يتحركون فيها وبها رغم ما قد يصدر عن بعض المربين من تقصير أو أخطاء وحتى مخالفات وتجاوزات.

لسنا معنيين بالخلفية السياسية لناجي جلول ولا بمنهجه في التموقع ولا بطموحاته وأحلامه فذاك شأنه وثمة مجتمع سياسي وصناديق اقتراع وثمة محطات للفرز . ما يعنينا هو ما يتعلق بنا كمربين وكمعنيين بمشروع الإصلاح التربوي في بعده المعرفي والبيداغوجي والتربوي وما يعنينا هو أسلوب الوزير في مخاطبة المربين فلا يتعالى عليهم ولا يحرض ضدهم بخطاب شعبوي سياسيوي.

ناجي جلول هو أكثر وزير إثارة للجدل والتهريج بل إنه يوشك أن يتسبب في فتنة بين المربين والتلاميذ أو بين المربين والأولياء وهو أسلوب يُنذر بعواقب سيئة حين يقع استعداء عناصر العملية التربوية بعضهم ضد بعض.

الذين يريدون اختزال الخصومة بين جلول والكاتبين العامين للتعليم والذين يريدون إيهام الرأي العام بكون حركة النهضة وراء “حملة” ضد الوزير، إما أن يكونوا شهداء زور وإما أن يكونوا على غير دراية بالموضوع.

حشود المربين أمام المندوبيات الجهوية أو أمام وزارة التربية وساحة القصبة لا تعبر عن كون الأمر متعلقا بخصومة شخصية بين الوزير وشخصيتين نقابيتين، وأما عن التلميح إلى كون حركة النهضة هي من يحرك من خلف ستار فلا أحد من قادة النهضة صرح بما يفيد ذلك بل ما أعتقده أن حركة النهضة لا ترى وضعية أنسب لها في وزارة التربية كما هي عليه الآن مع جلول لاعتبارات ليس مجال تفصيلها.

الدعوة إلى إقالة جلول من وزارة التربية ليس فيها نيلٌ من شخصه ولا من طموحه السياسي إنما هي دعوة لوضع حد لأزمة تتجه نحو الاستفحال والتعقيد لا بسبب تعنت النقابة والمربين وإنما بسبب أداء الوزير غير المنسجم مع مقتضيات العملية التربوية من حكمة ورصانة وهدوء وحسن تواصل مع المربين والتلاميذ والأولياء بما يحقق النجاعة التربوية وبما يحفظ كرامة المربين وبما يحافظ على علاقة دافئة بين كل عناصر العملية التربوية فلا يتجرأ بعض على بعض.

قد يكون لناجي جلول مستقبل سياسي كبير وقد يفتح له المستقبل حظوظا كبيرة في مواقع متقدمة في الدولة ولكن أن يستمر وزيرا للتربية فذاك من فعل عنادٍ لا يمارسه سياسي موهوب أو قيادي حكيم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock