الأربعاء 18 يونيو 2025

متى يستفيق أهل الكهف

بشير ذياب
اليوم وأمام هذا التشتت الذهني الذي نعيشه كتونسيين أو كعرب عموما، يبدو أننا لن ننجح في تحديد عدوّنا أو أعدائنا بطريقة علمية ثابتة، ولن ننجح في ترتيب وسائلنا الحربية الناعمة منها أو المتعجرفة بالطريقة الصّحيحة، نحن اليوم نعيش حرب إستنزاف يومية لطاقاتنا في كل المجالات، نخوض حروبا عبثية في كل الميادين لا طائل من ورائها إلا مزيدا من الغوص في رمال التخلف والتبعية، نحن نتستميت في حروب نخوضها بالوكالة لحساب غيرنا على أرضنا وعلى حساب شعوبنا وأمننا وأطفالنا ونسائنا ولنقل على حساب عرضنا وكرامتنا.
يقول أحد المفكرين “أنا لا أخشى على الذي يفكر وإن ظلّ، لأنه سيعود إلى الحق، ولكنني أخشى على الذي لا يفكّر وإن إهتدى، لأنه سيكون كالقشة في مهبّ الريح”، وهذا هو المدخل الرئيسي الذي يجب أن تتجه إليه جهود كل المفكرين الذين يريدون أن يؤسّسوا لمجتمع حداثي، ولا أعني بالحداثة ما يعنيه بعض المرضى بالنزلة الثقافية الوافدة، بل أعني بالحداثة البناء الفكري الجديد الذي يرتقي بالمجتمع معتمدا في ذلك على مرتكزاته الذّاتية اللّغوية والتّربوية والفنّيّة والثّقافيّة والحضارية والتاريخية والذهنية… أي أن بواعث الإنطلاق الجديد تكون من إهتزازات داخلية تتناغم مع الخصوصيات الكامنة في النفس وتحفزها على النهوض والإنطلاق، وتشعرها أن موروثها القديم يمثل مخزونا من الطّّاقة الإيجابية الدّافعة إذا أحسنّا التعامل معه، وإذا إستطعنا أن نتجاوز العثرات والحواجز التي أقامها حكّامنا وسياسيّونا ومفكّرونا وفقهاؤنا وعلماؤنا ومؤرخونا منذ الفتنة الكبرى وإلى يومنا هذا وثبّتها الفكر الإستعماري الغربي بقوة السلاح أوّلا ثم بوسائله الناعمة سواء بطريقة مباشرة أو عبر وكلائه المبرمَجين كالآلات الكاسِحة تجرف كلّ ما له علاقة بالهويّة والثّقافة العربية الإسلامية وتجرّمها وتحمّلها المسؤوليّة السّياسية والمعنويّة على تخلّف نحن مسؤولون عنه وأصولنا الحضارية بريئة منه كبراءة الذئب من دم يوسف.
التفكير هو بداية الوعي بالوجود، هو بداية طرح الأسئلة، ماذا ، لماذا ، متى ، وكيف، “وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتََسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ”، نحن في حركة التاريخ لا نزيد شيئا عن أصحاب الكهف، فنحن أيضا نقوم اليوم “هذا إن قمنا أصلا” فنجد أن الزمان قد تجاوزنا، لكن لم تكن لنا حكمة أهل الكهف في التعامل مع التجاوز الزّماني.
هل إستطاع بورقيبة أن يبني دولة حديثة بإكراه الناس على التملّص من تاريخهم وحضارتهم، هل وصل الشعب التونسي للمستوى الحضاري والفكري والعلمي والمعماري لمستوى الشعب الفرنسي “قبلة” بورقيبة التي يمّمها وجهه ؟، كل الشواهد على الأرض تقول أنّنا زدنا إنحدارا على المستوى الذي تركنا عليه المستعمر، إلا في مجال التعليم وقد تهاوى أيضا لأنه لم يتمّ بناؤه على إستراتيجيات وطنية بل على نزلات وافدة.
علينا أن ندرك جميعا أن التقدّم والرّقي لا يمكن أن يكون نفيسا وذا قيمة مضافة إلا إذا كان قاسما مشتركا بين جميع أفراد الشعب في إنجازه كما في مآلاته النّفعيّة، وحين أقول الشعب فإني أحيّد كل المفاعيل الإيديولوجية يمينا ويسارا ووسطا وألتزم بكل ما يجمع هذا الشعب الكريم من تاريخ، بكل سهوله وشعابه ومرتفعاته ومن حضارات وإثنيّات إنصهرت قي كيمياء شخصيته وثقافته وهويته مثّلت أيام العزّة تفرّدا حضاريّا قاد العالم الغربي حين كانت للسيادة معناها اللغوي والإصطلاحي على أرض العرب العاربة والمستعربة.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

القصور الفكري… ومعادلة بناء الدولة

بشير ذياب بعد ثمانية سنوات من الإنتقال المترنّح أصلا يعود بنا البعض للمربع الأول وكأن …

محاضن السيادة… بين التهميش والإرتجال

بشير ذياب يخطىء من يظن أن وزارات السيادة هي الدفاع والداخلية والأمن والعدل، هذه الوزارات …

اترك تعليق