سامي براهم
فخر لتونس
بالله لآخر مرّة جوابا لمن يلحّون في السؤال على الخاصّ عن سياق استعمال هذه العبارة في حوار صحفي…
لم يكن حوارا بل سؤالا على الهاتف في أحد البرامج الإذاعيّة عن موقفي من تقرير أمريكي يعتبر تونس أوّل بلد مصدّر للإرهاب في العالم بما يعني اتّهام تونس دولة ونخبا وشعبا بالفشل في محاصرة الإرهاب وتصديره إلى العالم كأنّ الإرهاب صار بضاعة تونسيّة أو علامة مسجّلة…
كان جوابي أنّ تونس ليست بلدا مصدّرا للإرهاب بل بلدا طارد للإرهاب على اعتبار أنّ المزاج العامّ التّونسي لم يستسغ أطروحاته وتلقى من الضّربات ما جعله يستشعر الفشل ويبحث عن جبهات أخرى وهو ما يذكّر ببيان زعيم التّنظيم الذي وصف فيه الشّعب التّونسي بالمرأة التي تَكْفُرُ العشير ولا ترى له فضلا “يقصد القوافل الخيريّة والصحيّة التي نظّمها أنصار الشّريعة” وعبّر صراحة عن الفشل في استقطاب التّونسيّين وتلقّي تعاطفهم ودعمهم أمام الضّربات الأمنيّة ودعا صراحة للالتحاق بجبهات خارج تونس…
أن يكون السّياق العامّ “الشّعبي والسّياسي والرّسمي” في تونس طاردا للإرهاب مقابل سرديّة التّصدير هو الأقرب إلى التمثّل الموضوعي وأليق بالردّ على تقرير مشبوه يريد إلصاق تهمة تصدير الإرهاب بتونس وثورتها وتجربتها الدّيمقراطيّة…
الفخر ليس في وجود تونسيين مورّطين في الإرهاب خارج تونس لفشلهم في الاستقطاب وقد كان أحرى الحيلولة دون خروجهم من البلد وهو ما لم تنجح فيه أغلب الدّول حتّى تلك التي تتوفّر على أجهزة أمنيّة وشبكات استعلام متقدّمة… ولكن الفخر في المناعة النفسيّة والحصانة الدهنية التي أدّت إلى إفشال هذا المشروع في تونس والتي أطلقنا عليها المزاج الطّارد مقابل وصم التّصدير…
كيف نجد تونس مثلا متقدّمة على اليمن في التقرير الأمريكيّ المذكور؟ وفق التّحليل الذي سقناه نجد أنّ النّسبة غير المرتفعة لبعض الدّول في قائمة الإرهابيّين المتحوّلين إلى بؤر التّوتّر يعود إلى تمركزهم في بلدانهم أو في جوارها… لقد استوطنت القاعدة في اليمن وأصبحت تدير جزءا من الشّأن العامّ في البلد وتشرف على التنظيم وفروعه في الخارج من قلب البلد… حاول تنظيم أنصار الشريعة النّسج على المنوال نفسه بتركيز إمارة في بنقردان جنوب تونس لكنّ فشله كان ذريعا…
إنّ قضيّة التّسفير التي يحلو للبعض الدّندنة عليها لتوظيفها سياسيّا لم تكن تسفيرا بل سفرا طوعيّا بعبور الحدود خلسة مثل أيّ هجرة سريّة أو غير نظاميّة مدفوعة باليأس من وجود فرص وحظوظ في البلد… واليأس هنا متعلّق بمشروع تركت له الثورة المجال ليعبّر عن مضامينه ورؤاه واكتشف الناس مشروعه في ما صدر عنه من أعمال إرهابية فلفظه…
ما يسمّى تسفيرا هو حرقة في الزّمان والمكان، في التّاريخ والجغرافيا والمرجعيّات تنتهي غالبا بحرقة إلى العالم الآخر الذي يتوهّم أصحابه أنّهم سيجدون حور العين في استقبالهم… هذا ما تقوله معطيات البحث التي نعلم أنّها لا تروق لمن ركّبوا في أذهانهم سرديّات تخدم أهدافا سياسيّة ولكن الأمانة العلميّة تقتضي التّصريح بها وعدم تضليل الرّأي العامّ…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.