كمال الشارني
أتوقف عن متابعة أية فكرة تدعو إلى “تفكيك” مصانع المجمع الكيمياوي في قابس، رغم أنها شرعية وضرورية وعن حسن نية لإنقاذ رأس المال البشري لكنها غير واقعية، أغلب الذين يتحدثون في هذا الأمر ليست لهم دراية، لا تقنية ولا اقتصادية ولا اجتماعية بالموضوع.

المشكل لا يعني فقط المجمع الكيمياوي بل أغلب المؤسسات العمومية الصناعية التي كانت نوارة الاقتصاد في الستينات لكنها تقادمت واهترأت وانتهى نموذجها الاقتصادي منذ أكثر من ثلاثين عاما مثل فسفاط قفصة، شركة الفولاذ، ستير جرزونة، إذا وسعنا التدقيق نضيف لها الخطوط التونسية، نقل تونس وغيرها.
عمليا، أصبح المجمع الكيمياوي شيخا متهالكا يمثل خطرا محدقا، ينتمي إلى جيل تكنولوجي انتهى منذ زمن وأصبح من الصعب العثور على قطع غيار لآلاته التي لم تعد متلائمة مع التقنيات السائدة الآن، اكتسحتها الرقمنة والآلية والذكاء الاصطناعي من أجل الكفاءة وضمان السلامة البيئية، تذكروا هلاك 6 أشخاص في انفجار في خزان إسفلت في المجمع يوم السبت 13 مارس 2021، المجمع الكيمياوي عمره 53 عاما لكنه لم يحظ بالتطوير وبدراسات التحديث لسببين على الأقل:
- غياب مشروع التحديث أصلا والاكتفاء بعقلية الترقيع والتسيير كيفما أمكن مقابل مركزية القرار وانتظار موقف من أعلى سلطة.
- ثم الكلفة العالية المتزايدة للتطوير الذي يجب أن يكون متكاملا يشمل استخراج ونقل الفسفاط (مليارات الدنانير خصوصا إذا أضفنا إليها ضرورة تحلية ماء البحر للمعالجة)، ثم هو ضحية حاجة الدولة إلى موارد عاجلة وضمان أكثر من 4 آلاف موطن شغل مباشر ومثلهم في غير المباشر مقابل تضحيات بيئية تصاعدت حتى قاربت الكارثة الصحية.
واقعيا، تفكيك المجمع الكيمياوي وتطهير المنطقة لا يقل كلفة عن إنجاز مصنع عصري، هو ليس مجرد مصنع ملوث بل مدينة صناعية مرتبطة بعدة قطاعات، هذا بقطع النظر عن المخاطر الاجتماعية لإحالة أكثر من 4 آلاف إطار وعامل بأجور جيدة مع آلاف آخرين إلى البطالة في مدينة تعاني من الكساد.
الحل التقليدي: عندما لا تملك الدولة موارد ضخمة للتحديث تلجأ إلى الشراكة مع مستثمر عالمي له السيولة الكافية والخبرة في المجال، لكن وضع بلادنا في هذه الظروف الاقتصادية يجلب لنا نوعا سيئا من المستثمرين ممن يرغبون في نهب الثروة وتحقيق أكثر ما أمكن من الأرباح بشروطهم دون مراعاة الظروف البيئية ثم الانسحاب، المستثمرون الجيدون لم يتحمسوا لذلك حتى في مدخرات فسفاط “سرا ورتان” في الكاف لارتفاع الكلفة.
هل ثمة دراسات علمية لإنقاذ المجمع؟ لا أحد يتكلم حول هذا الموضوع، لننظر إلى التجربة المغربية مع المجمع الشريفي للفسفاط، وهو نموذج عربي للنجاح في استباق الأزمات والاستثمار على المدى الطويل وحماية البيئة، إنقاذ المجمع يحتاج أشخاصا لهم رؤية ثاقبة ومشروع حقيقي طويل الأمد وخصوصا قدرة على الفعل والإنجاز وكاريزما للإقناع بالتضحيات، لأن هناك تضحيات كثيرة فعلا.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.