أبو يعرب المرزوقي
ما يحيرني حقا أمران في سلوك النخب العربية التي تدعي الحداثة:
- الجهل المطلق بمقوماتها التي جعلها تتمكن من هزيمة المسلمين الذين استطاعوا هزيمة الحضارة الاسلامية رغم كونها كانت قد سيطرت على العالم المتحضر كله من الصين إلى أوروبا.
الجهل المطلق بما مكن الحضارة الإسلامية من الصمود وبداية الاستئناف فلم يحصل لمقومات ما حصل لبقية الحضارات التي كانت خارج ما سيطرت عليه: فلم يحصل للعربية ما حصل للاتينية وللحمة العقدية ما حصل للأديان الأخرى ومن ثم فخميرة الاستئناف بقية ثابتة وهي التي ضمنت الاستئناف الحالي.
ومن ثم فما أصاب الحضارة الإسلامية لم يستطع إلغاء دور القرآن والحديث اللذين أبقيا على المتعاليات التي تزداد تجذيرا فتحافظ على شعلة الحياة في شعوبها شرط الاستئناف.
ويكفي أن تعلم أن كل من قبل بالخنوع والتبعية من النخب العربية هم حثالة المتخلفين ويكفي تحليل تكوين ما جعل ما يسمى بالدول العربية والإسلامية محميات عاجزة دون شرطي القيام المادي والروحي لأي أمة: أي شرطي الاستعمار في الأرض (سد الحاجات المادية بلغة ابن خلدون).
ما يجعل النخب التي تمثل ظاهرة العقم يحصل فيها ما يحصل في علاقة القمح الصلب بالنخالة في الغربال الذي ينبغي أن يفرز بين الصالح والطالع وزائف كل دولة ذات سيادة. ويمكن القول إن ابرز مثال لذروة الظاهرة هو ما يحصل حاليا في تونس.
فعندما اسمع البعص يسأل من يحكم تونس استغرب: لا أحد يحكم تونس عدا حمق الحثالة من الراس للساس أي الفوضى التي نراها يوميا في تصريحات مطرودي التعليم بعد أن صار “تجفيفا للمنابع”: “راس القر طلة خامج”.
لكن الاستعمار في الأرض لسد الحاجات ينحط لما يفقد قيم الاستخلاف فيها وهي تتعين في صلاح الأسرة والمدرسة والمسجد والمعمل ولحمة الجماعة التي تمثلها النخب الخمسة التي تمثل الإرادة الحرة والحكمة الراجحة أو التربية والعلم المبدع والذوق السامي ليكون للأمة القدرة على إبداع شروط سد الحاجات المادية (الاقتصاد) والحاجات الروحية (الثقافة التي تعمل بمنطق “النساء 1″ و”الحجرات 13” وخاصة كل مضمون “الماعون” بدستور تحدده “الشورى 38”.
وكل هذه المعاني عرضتها منذ تأليف الاجتماع النظري الخلدوني (كتب مشروعا للبحث 1975 ونشر سنة 1983) وذكرت به عندما تكلمت على استئناف الحضارات الأربعة الممثلة للمغربين والمشرقين وقلب العالم بينهما أي الحضارة الإسلامية. لكن هؤلاء الحمقى ظنوني اخرف.
واحمد الله أن عشت حتى رأيت ذلك يتحقق فعليا وخبرة المنجزات في الاستئناف أن قائدة العالم الغربي بصنفيه أي الأمريكي والأوروبي يعترف بهذه الحلقية: فلما دعا ترامب ثلاثة دول إسلامية غير عربية فهو ضمنيا أعترف بما أشرت إليه منذئذ: تبين للاستراتيجية الغربيين بأن الإسلام هو القوة الخامسة وقد رمزوا لهذا الاعتراف بجعل حل القضية الرمز -فلسطين-مسألة إسلامية وليست مسألة عربية.
ومعنى ذلك أن النخب الغربية التي تريد المحافظة على قوتها تسعى للمصالحة مع من دونه لا يمكن لها أن تحقق ذلك. الإسلام صار الرقم الأول في معادلات العالم كله ولم يعد يشكك في ذلك إلا صاحبا الفيبتين: الكبرى أو بالباطنية الصفوية وعملاؤها من النخب العربية والمسيحية الصحنة من النخب العربية أي تلك الحثالات التي وصفت في هذه المحاولة والتي تتكئ على تأويلات فيلسوف بوتين الذي يتصور المسلمين لن يتحرروا من الغرب إلى ادنى ما فيه أي بقاء السوفيات.
وكل من يصدق صاحبي التخويف المزدوج -بعض العرب يحتمون من ايران فيحتمون بإسرائيل وبعضهم الآخر بإسرائيل من إيران. ومن ثم فما يحدث حاليا هو ما توقعته أي إن الطوفان والشام قضيا عليهما معا لأنهما ارجعا الأمة إلى بطولة الصحابة (حماس) ودهاء معاوية (زعيم الشام الحالي).
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.