الإثنين 13 أكتوبر 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

اعذروا غضبي ووجعي وشكوكي

نور الدين الغيلوفي

  1. أقول كلاما صادقا ولكنّه موجع.. والصدق، لأمرٍ ما، قرين الوجع. وكلّ الصدق موجع وجميع الصادقين موجوعون.

  2. المطمئنّون إلى إيمانهم بالله والموقنون بنصره لا يملكون من دليل على يقينهم غير قراءة اطمأنّوا إليها لنصوص تحوّلت إلى عقائد.. هذه العقائد يعيشون عليها وعليها يموتون.. ينتظرون نصرا موعودا لا يأتي ولكنّهم يورثونه الذين يأتون من بعدهم. يطمئنّون طمأنينتهم حتّى يأتيَهم اليقين ولا يقين عرفته هذه الأمّة في زمنها الحديث أكثر من الموت. نحن أمّة تجترّ وعودها معلّقة في أعناقها حتّى الموت. وفي ذلك تتناسل. لتطعم من نسلها الموت؟

  3. إذا أنت تتبّعت تلك النصوص لم تلق غير صيغ خطابيّة لا أحد يدري عن تحقّقها شيئا. يقال لك هي في ظهر الغيب وظهرُ الغيب لا يُدرَك، ولكنّ الله قال “وكان حقّا علينا نصرُ المؤمنين”. لا شيء يدلّ على أنّنا نفهم معاني الكلمات. من هم المؤمنون؟ وما الذي يعنيه نصرُهم؟ وهل يعني النصر شيئا بعد كلّ هذه الإبادة؟ هل يمكن أن يوجد على الأرض مؤمنون مثل أهل غزّة؟ لقد أعدّوا عدّتهم وحفروا في جدار المستحيل حفرة، ولكنّ الأمّة التي عوّلوا عليها لتشدّ أزرهم خذلتهم وتركتهم في ساحة الحرب يعانون ويلات القصف ويتجرّعون الموت على مدار الساعة منذ سنيتن. يقرأون ما تقرأ من كتاب ولكنّ أجهزة الاستقبال شتّى. هم الفتية الذين آمنوا بربّهم ولكنّ الأمّة سفّهت بخذلانهم إيمانهم.

  4. الله ذاتُه لا تُدرَك.. كلّ هذا الكون خلقُه وكلّ الوجود ملكه. ما الذي تمثّله الأرض بمن فيها وما فيها أمام سعة ملكه الذي مغيوبُهُ أكثرُ من مشهودِه؟ أعلم أنّ الله في الذرّة وما دونها وفي الإنسان وحوله وبه نفخة من روحه. ولكنّ التاريخ غابات مظالم لا حدّ لها. شعب بأكمله في القارة الأمريكيّة أبيد عن آخره.. أليس بين هؤلاء مؤمنون لينصرهم الله؟ لعلنا لم نفهم الله ولم نع نصره.. فضللنا الطريق إليه من حيث لا ندري.
    أظنّ أنّ الله أبعد من أن ندركه.. ولا ندري إن كان يتكلّم بلغتنا فنفهم قصده. الأمور كلّها ترجيحات لا أظنّ يقينا بها.. أو أنّ القرآن يتكلّم بلغة لا نفهمها إلّا بحسب ما تمليه علينا أهواؤنا واستعداداتنا. نقرأ منه ما ننتظره لنسدّ بما نقرأ فراغا فينا ونقفز على عجز مستحكم بنا. يبدو لي أحيانا أنّنا، نحن العربَ، لم ننجح عبر تاريخنا في فكّ شفرات هذا النصّ أو لعلّه يخاطب غيرنا بلغة توهّمنا أنّنا نحن أهلها.

  5. لست مطمئنا إلى تلك التفاسير التي تحاول أن تبنيَ نصرا للأمة على العدوّ الصهيونيّ استنادا إلى مقدّمات سورة الإسراء. حدث غريب وعجيب مثل حدث الإسراء هو حدث لغويّ فاتحته “سبحان” لن تكون اللغة التي أخبرت عنه إلّا لغة معجبة مغربة. فهل أمكن إلى حدّ الآن إزالة ما بها من غرابة معجبة؟
    يحلو لكثيرين أن يفسّروا آيات سورة الإسراء بوعدٍ بالنصر على “اليهود” لا يزال محفوظا لهم بين دفّات الكتاب ينتظر من خمسة عشر قرنا. فماذا لو جاءت أمّة بعد آلاف السنين وعاشت هذه الأوضاع نفسها، من أين لها بنبوءة تميز “أولاهما” من “أخراهما”؟
    الأرجح أنّ الأمر وعد مريح ولكنّه ترجمة لهوى الذين عجزوا بأنفسهم فهم ينتظرون مدد السماء “بعثنا”.

  6. (وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا (4) فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا (5) ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا (6) إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا (😎)
    لقد اشتقّ بعض المسلمين من تلك الآيات بشارة انتصارهم على دولة الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلّة.
    ويكفيك أن تتساءل، هل المعنيّ ببني إسرائيل هم أولاء الذين يحتلّون فلسطين الآن؟ الأمر لا يزال خلافيّا. إذ لا شيء يدلّ على أنّ هؤلاء هم أولئك. يهود تخلّصت منهم أوروبا فرمتنا بهم ما علاقتهم بإسرائيل؟
    في الآيات ضميران: ضمير مخاطب وضمير غائب. المخاطبون بمنطوق النصّ هم بنو إسرائيل أنفسهم. القرآن يخاطبهم. لماذا يخاطبهم ما دام يتوعّدهم؟ أهو التحدّي؟ ألغاز قرأت لها كلّ التفاسير ولم أفهمها. إنّما يلغز علينا الكتاب حين نلوي عنقه لنسلك طريق الهوى والرغائب بلا عمل.
    الصليبيون الذي حاربوا المسلمين واستولوا على بيت المقدس، أليسوا من بني إسرائيل؟
    يبدو لي أنّ التفتيش في القرآن عن وعود بالتحرير هو من جنس الزعم بوجود وعود توراتية بالغزو. غير أنّ التوراتيّ فاعل بينما “القرآنيّ” منتظر.
    البحث في القرآن عن “وعد آخرة” بالتحرّر من الهيمنة والاستعمار نظير التنقيب في الأرض عن الكنوز بحثا عن ثروة بلا عمل.

  7. وحدهم رجال الله في غزّة ترجموا الوعد إلى عمل. لم يركنوا إلى وعد لغويّ ولكنّهم انبعثوا ليكونوا هم المعنيين بقوله “عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ”. هؤلاء انبعثوا ولم ينتظروا فكان الطوفان انبعاثهم. غير أنّ الأمّة التي تتلو سورة الأسراء بقيت تمضغ آي القرآن تستدني به وعدا لا يأتي. موازين القوى تسير باتجاه القوى المهيمنة التي تستعمل هذا الكيان المجرم خنجرا في الأمّة لتعيش زمنا ثانيا على طعنها. ومن دماء المطعون يعيش الطاعن.
    لعلنا الأمّة التي عليها أن تحمل اللعنة الآخرة بعد أن استقالت من أن تكون هي الوعد بالحياة والنصر المبين.
    انتظرنا وعدا بالنصر لا يأتي وركنّا إلى انتظارنا.. وتركنا غزّة وحدها لتباد نبتة الخير الأخيرة في أرض البشر..
    شاهدة علينا ونحن خصومها
    بين يدي الله
    والقرآن.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

علي العريّض، صباح الخير

نور الدين الغيلوفي أعلم أنّه لا معنى لتعاطف أحد معك كما لا معنى لشماتة شامت …

نور الدين الغيلوفي

أحمد صواب هل يكون القطرة التي تفيض الكأس ؟

نور الدين الغيلوفي 1. لا يزال الفرقاء، غير قليل منهم، لم يتعلّموا الدرس ولم يفهموا …

اترك تعليق