الأحد 10 أغسطس 2025
بسام بوننّي
بسام بوننّي

“هذه ليست محاكمة”

بسام بوننّي

“قاطع الشّيخ الحبيب اللّوز (72 عاما) سير الجلسة قائلًا إنه كمخلّفات لجلطة أصابته في السّجن لم يعد يسمع وبالكاد يرى وإنه يريد أن يفسّر له أحد الحاضرين حذوه ما يحصل. وكان واضحًا أنّه لم يفهم أصلًا هل حصلت المرافعات أم لا. وتجاهل الرّئيس الأمر” 28 يونيو 2025.

هذه شهادة المحامية، الأستاذة إيناس حرّاث، عن وقائع محاكمة القياديّ بحركة النّهضة، الحبيب اللّوز، وعدد من رفاقه. وتضيف، بعد إعلانها الحضور كموكّلة عن المتّهم: “وبعد دقيقتين، تكلّم الشّيخ اللّوز من تلقاء نفسه وقال حرفيًّا: أريد أن أعرف من ينوبني؟ من ترافع عنّي؟ محاميتي هي الأستاذة إيناس حرّاث. ألم تحضر؟ هنا، رفعت صوتي إلى أعلى درجة ممكنة رغم كراهيتي الشّديدة للصّراخ والضّجيج وكلّ أنواع الأصوات العالية وقلت: بلى يا شيخ أنا هنا حاضرة ولكنّي أعتذر منك سأتخلّى لأنّ هذه ليست محاكمة”.

الحبيب اللّوز
الحبيب اللّوز

لم نعد بحاجة إلى براهين ودلائل أخرى لتبيان المنحى الخطير الّذي اتّخذته المحاكمات السّياسيّة. فإلى جانب نزوع القضاة إلى الحكم بفترات سجن برقمين، تساوى في ذلك زعيم حركة النّهضة، راشد الغنّوشي، مع الرّئيس السّابق، المنصف المرزوقي، وآخرون كثر، باتت نزعة التّنكيل بالمعتقلين، الّذين يواجهون تُهمًا لا تُقنع أحدًا، واضحة صريحة أكثر من أيّ وقت مضى.

لعلّ المثال الأكثر فظاظة هو الحطّاب سلامة، الّذي زُجّ باسمه في ملفّ “التآمر على أمن الدّولة”، على خلفيّة ركن سيّارته إلى جانب منزل خيّام التّركي، حيث كان “المتآمرون” يحبكون خطّتهم، حسب الوشاة المطعون في كلامهم. لكنّ قضيّة القياديّ بحركة النّهضة، الصّحبي عتيق، لا تقلّ فظاظة. فبقدرة قادر انتفض سجين، في جوان/يونيو 2023، ليعترف بأنّه سرق منزلًا، قبل سبع سنوات، كان على ملك عتيق وبلغ حجم المسروق نحو 60 ألف دينار، تقاسمه مع رجال شرطة. ومن نافلة القول إنّ قاضي التّحقيق لم ير أيّ مبرّر لسماع رجال الشّرطة المُشار إليهم.

لا يتعلّق الأمر، هنا، باستدرار شفقة الدّولة ومؤسّساتها أو تصويب ما تخلّد بذهن الرّأي العامّ من مُجمل الملفّات سيّئة الإخراج، إذ من اللّافت أنّ الآدميّة باتت الحلقة الأضعف في مُجتمعنا، وأُصرّ، هنا، على استخدام عبارة “مجتمعنا” لا “بلادنا” أو “دولتنا”، لأنّ التّاريخ يُعلّمنا بأنّ العدل لا ينشأ إلّا في المجتمعات الّتي تُؤمن به. فقد شاهدنا، على سبيل الذّكر لا الحصر، حفلات شماتة وتبرير لحرمان زعيمة الحزب الدّستوريّ الحرّ، عبير موسي، من زيارة بنتيها، أو رئيسة منظّمة “تونس أرض اللّجوء”، شريفة الرّياحي، وهي أمّ لطفلين يبلغان من العمر، ساعة اعتقالها، ثلاثة أعوام وعامًا واحدًا!

ولعلّ المعتقلين وذويهم يعلمون جيّدًا أنّ معظم المؤشّرات تؤكّد بقاءهم وراء القضبان إلى حين رحيل سلطة الأمر الواقع، كيف لا والسّرديّة الرّسميّة لتبرير انقلاب الخامس والعشرين من جويلية/يوليو 2021 تقوم أساسًا على اتّهامات مغرقة في المؤامراتيّة، دون أيّ سند. ومع ذلك، فإنّ قطاعًا لا يُستهان به من المجتمع ينخرط في الدّفاع عن تلك السّرديّة ويتماهى معها، عملًا بمقولة الكاتب والباحث السّوريّ، سلام الكواكبي، بأنّ “المستبِدّ يُروّج للمؤامرة ليستمرّ في استبداده والمستبَدّ به يُروّج للمؤامرة ليستمرّ في قبوله بالاستبداد”.

وليس من قبيل الصّدفة أن تصف منظّمات حقوقيّة تونسيّة ودوليّة الملاحقات القضائيّة التّي تستهدف قادة أحزاب ومسؤولين سابقين وناشطين وصحفيّين بـ”التّصفية السّياسيّة”.

ولا يزال العشرات يقبعون وراء القضبان دون محاكمة، وسط انهيار تامّ لعائلاتهم التّي تقطّعت ببعضها السّبل، في الوقت الّذي تتواصل فيه صنوف شتّى من التّضييقات تشمل وافدين جدد إلى قائمة المغضوب عليهم.

وقد يكون الاسم المقبل هو اسمك أو اسمي، بسبب وخاصّة بدون سبب. يكفي أن يخرج واش من حيث لا تعلم لتجد نفسك مُطارَدًا. يا له من كابوس!

ألترا تونس


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بسام بوننّي

هل هناك ما يجرّم، الدعوة إلى مقاطعة الإنتخابات ؟!

بسام بوننّي ليس هناك ما يجرّم، في قوانيننا، مقاطعة الانتخابات أو الدعوة إليها.. وعليه فإنّ …

بسام بوننّي

إتاوة النقابة الأمنية..

بسام بوننّي للأسف من مشاكلنا أن جزءا لا يستهان به من الرأي العام جاهل بالقانون …

اترك تعليق