أبو يعرب المرزوقي
(اليسار العربي مرة أخرى)
تغول إسرائيل أيسر علاجا لو طبقت المقاومة منطق “قص الراس تنشف العروق” رغم أن جل عروقها في الإقليم عربية: في علاقتها بجل المحميات العربية التابعة لها ولإسرائيل لا تختلف عن المحميات العربية التابعة لروسيا وإيران.
فما كانت إسرائيل تصمد أمام شعب حر قرر أن يقاومها وما كانت إيران تصمد أمام شعب حرر قرر أن يقومها: فهذه هزمت في الشام واضطرت لنجدة روسيا وتلك هزمت في غزة واضطرت لنجدة أمريكا.
وإدن فالحرب لا ينبغي مواصلة التوجه لهما مباشرة بل لا بد من قص الراس لتنشف العروق. ويكذب من يزعم العكس بدعوى الهروب من الأيسر إلى الأعسر. وهو خطأ تثبت التجربة عكسه وتكذبه حالة الأقوى من الرأسيين.
فأمريكا خسرت كل حروبها لما دخلتها بنفسها ولم تعتمد فيها على أداتها في بلاد العرب. لأنه في هذه الحالة يمكن لشعبها ألا يبالي لأنها لا تكلفه شيئا إذ المال والإعلام كلاهما يغطيان على جرائمها ولا تكلفهم شيئا ما دامت المحميات العربية تمول حروبها وقواعدها وإسرائيل تنفذها في لمح البصر لعلتين:
الأولى لأنها تملك افضل تسيح وأفضل تكوين لطياريها وهذان يردعان أراجيس عسر العرب الذي يمثل الخيانة المطلقة لكل معاني الرجولة ناهيك عن قيم البطولة وحتى مظاهر الفحولة.
الثانية لأن العرب همهم الحرب الأهلية التي من جنس ما يجري بين الجزائر والمغرب وبين مصر والسودان وبين السعودية وقطر وبين سورية والعراق وبين اليمن والسعودية إلخ… من حروب داحس والغبراء.
ويمكن أن أقول أكثر من ذلك عن روسيا سواء قبل سقوط السوفيات أو الآن: فهي تجد في مساعدة غيران وتوابعها فرصة لتجريب أسلحتها وملء خزينتها ولا تخشي أي كلفة في جندها لأنها تستعمل الطيران والمرتزقة التي يدفع كلفـتها أصحاب البترول العربي.
ورغم ذلك كله منذ بداية الطوفان أعلنت بأني أتمنى “مع علمي بأن ما أتمناه هو ما سيحصل” ألا يتدخل العرب في الحرب لأني أتوقع أن يؤدي تدخلهم إلى نكبة اكبر من 48 لأنهم سيخونون الطوفان ويكون عليه لا له.
لكن كان يمكن أن يساعدوا الغزاويين على الأقل إنسانيا فلا يتركوهم يموتوا جوعا وعطشا وأن يفقدوا الهواء والماء والغذاء والدواء شيبا وشبابا وأطفالا وسيدات وشيوخا: فهذا ليس اعترافا بالعز العسكري بل بالنذالة والخسة.
والآن فلأخص أعداء الحرية والكرامة والسيادة والرجولة والفحولة ليس في حكامنا وكل أنواع ما يسمى نخبنا وإعلامنا ونقاباتها وجمعياتنا وحقوقيينا: كلهم أشد على شعوبهم من شعوب الغرب عليهم: فالمظاهرات المنددة بالتوحش الغربي اكثر في الغرب منها عند “الكرب”.
لذلك فإني لا أصدق نفاق التائبين حاليا. وزميلتهم فضحتهم عندما عللت التنازل لمحاورة الإسلاميين ليس بدافع خلقي ولا بدافع وطني بل بالكلفة التي نتجت عن معاداتهم التي لم تؤدي أكلها فلم يتم القضاء عليه.
والمدافعون عن العقلانية وسماع هدا النفاق أكثر منها نفاقا: لأنهم أولا يعلمون أن المنتظر هو العكس مما كان منتظرا: ظنوه منهم ليخلصهم من أعدائهم فلما تبين أنه له مليشيات بديلة منهم أرادوا التظاهر بالصلح مع الإسلاميين ليكونوا ميليشياتهم يستعملونهم لإسقاطه ثم يعيرونهم بثمن النضال.
ولما دعوت من بداية الثورة بأن الحل هو التحالف بين الإسلاميين البورقيبيين -ما بقي منهم- لان بن علي قضى عليهم وعلى الإسلاميين مدة ربع قرن تقريبا لأنهما يشتركان في الوطنية وفي عدم معاداة الثقافة الوطنية لأن قواعد البورقيبية كانوا متمسكين بقيم تونس الحضارية ولم يتأثروا بنزاعات بورقيبة مع الناصرية والقذافية وحتى اليوسفية.
ثم إن اليسار الذي يدعي الحداثة وحتى الإلحاد ليس لهم وزن يتجاوز التلحيص -إلا القلة القليلة- والاندساس في “خناخش” المتسلطين على البلاد والعباد ومجموعهم من الماء إلى الماء في كل بلاد العرب من جنس الأقليات الطائفية التي يغذيها الاستعمار والاستلاب وحاجة الحكام للقوادة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.