أبو يعرب المرزوقي
كلما حاولت أن افهم “حداثة” النخب العربية ومباهاتهم بالتنوير تبين لي العجب العجاب.
فجلهم إن لم يكونوا كلهم مصابون بـ”القبض” (بلغة تونس الإمساك) وليس بالبسط (بلغة التصوف).
فلا هم من الحداثة ولا هم من بعدها لأنهم ينتسبون إلى ما قبل السرديات التاريخية المبنية على كذبتي أوروبا.

فكلهم يدعون العقلانية المنسوبة إلى اليونان بالكذبة الأولى النافية لما تقدم على اليونان لأنها الحضارة الشرقية المتقدمة عليهم وهي معلمتهم في كل شيء بشهادة أفلاطون وأرسطو والآثار التاريخية.
وكلهم يدعون التحررية المنسوبة إلى أوروبا بالكذبة الثانية النافية لمن توسطوا بينها وبين اليونان وهم معلموهم في كل شيء طبعا لتبنيها الكثير مما تقدم عليها بشهادة كبارها قبل اختلاق كذبتي المعجزتين اليونانية والأوروبية.
ما اعجب له هو تبني الكذبتين بزعامة يمكن ردها إلى المبتعثين والمستشرقين من النخب التي كانت مخدرة بانبهارها بالفارق بين شعوبهم في مرحلة الانحطاط وأوروبا التي زاروها بمنطق “البدوي” في باريس.
وقد يكون جيل المبتعثين مفهوما لأن محمد علي كان يحاكي نابليون وعميل فرنسا.
ومثالهم طه حسين بعنجهية الأدباء إذ يتفلسفوا كجل قادة الاسلاموفوبيا بدعوى تنوير شعوبهم في حين أن تنويرهم مجرد محاكاة سطحية لأحكام الاستعمار المسبقة.
وقد يكون جيل المستشرقين في ذروة المرحلة الاستعمارية مفهوما ومثالهم ماسينيون.
فالأول تلميذ عالم اجتماع مؤمن بالعنصرية وأرواح الشعوب.
والثاني تلميذ الطوماوية والمخابرات الفرنسية وصاحب عقيدة جذام المسلمين.
فصارت النخب العربية الحداثية جلها كما القائلين بجذام المسلمين -الذي خصص له ماسينيون جمعية قبطية لمساعدة المسلمين بالتحرر من اللعنية السماوية التي يعاني منها أبناء إسماعيل تعليلا خبيثا لنظرية الجوهيم.
وهي في الحقيقة عين نظرية الوظيفة التحضيرية التي يعلل بها الاستعمار سيطرته على المسلمين بحيث تصبح النخب العميلة مواصلة لهذه المهمة رأفة بالمسلمين حتى إن كل الأميين منهم صاروا مصلحين دينيين للإسلام بتمسيحه أو تهويده “حبا” خدمة للتنوير والتحرير من تخريف الحديث والقرآن (كم يرون ويقولون).
تلك هي المفارقات التي سميتها الكاريكاتور اليساري المتحالف مع الكاريكاتور اليميني لأن هذا التخريب الروحي متحالف صراحة مع الصفوية الباطنية والصهيونية الكبالية في حرب لا تتوقف منذ نزول القرآن إلى اليوم.
وعلي أن اعترف بأنهم قد نجحوا في مهمتين علتهما طبيعة الحضارة الإسلامية التي جعلت الاندساس في عصابين مخها لجعل قبولها بالتعدد الديني شرطا في جعل الإيمان بالإسلام حرية تتحقق بتبين الرشد من الغي هي التي مكنت الحثالات التي استعملها الاستعماري للتخريب النسقي الذي يحصل خلال الابتعاث (طلبا للعلم ولو من الصين) وقبول المدارس الأجنبية (وهي بعثات تبشيرية بدعوى نشر العلم).
فكل الطوائف المغالية تجمعت في مراكز الحضارة الإسلامية وهي من أهم ما يستعمله الاستعمار لتأسيس شروط التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي بحيث صارت رمز القبالية الصهيونية والباطنية الصفوية مركزي ركوب دعوى الإلحاد باسم العلم والفاشية باسم القومية أداتي التخريب النسقي للعواصم الكبرى في ارض الإسلام.
وغالبا ما يكون ذلك بدعوى نشر العلم الذي لا يتجاوز الأيديولوجيا التي ترد إلى البروباجندا المتخفية تحت مسمى العلم وهو زائف من جنس علم طه حسين بشك ديكارت أو علم شلايك (شباشب) نخب الحانة والعانة من شراة الشهائد في الجامعات العربية أو حتى الغربية.
ومن “مبدعي” الفن المنحط فعمما التنوير، التنوير السطحي لتحجر بدائي عند نخب أغلبها أمي فقضوا على الأسرة والمدرسة والمعبد والمعمل والجماعة بترديد شعارات تزيد الأمة ضعفا وهوانا حتى يصبح جل طريدي التعليم السوي قيادات سياسية وثقافية.
علما وأن فكرهم لا يتجاوز الردح والشطح ما إن يسمعوا موضة فكرية يصبحون أبواقا لها طلبا للشهرة لا غير.
لذلك فلما تقرأ ما يكتبون لا تجد وراء العناوين إلا الأسماء دون المسميات حتى كرهت التفلسف الذي شوه الإسم وبات تعليم الفلسفة لا يتجاوز الدروشة الشعارية للسذاجة الفكرية.
وحينها فهمت كلمة ديكارت: ساعة في الشهر كافية للكلام في الفلسفة إذا كان الفاعل يطلب الفهم والحقيقة الممكنة للإنسان إذا تدبر فتحرر من أن يبقى أصما وابكما واعمى كحال النخب التي صارت أشبه بباعة الملابس المستعملة “الفريپ” في سوق النخاسة.
وأخيرا فإن ما كان يتهم به فقهاء السلطان صار من خصائص مثقفي عملاء العلجان في أوطان فاقدة للسيادة وليس لنخبها ريادة تتجاوز البلادة التي تبيع “التنوير” بضرب البندير (الدف) طمعا في كريسي يتحولون به إلى قوادة يعذبون الطلبة وخاصة الطالبات بمنطق خد وهات.
لم اسم أحدا لئلا أشخصن الوصف النقدي لحال الجامعات العربية عامة والتونسية خاصة ولكوني غنيا عن ذلك لأن جل من مر بها أستاذا كان حقا أو مدعيا للأستاذية دون أن يكتب حرفا في حياته.
فهم معلومون للجميع وعلامتهم تصدر المشهد الثقافي والخدمة الذليلة للقيادات العميلة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.