فوزي جاب الله
انطلقت يوم الثلاثاء 22 أفريل 2025 إستنطاقات المتهمين في ملف عرف إعلاميا بملف التسفير إلى ما يسمى ببؤر التوتر..
ومن أشهر المحالين فيه السيد علي العريض رئيس الحكومة الأسبق والمناضل السياسي الشهير..
تم في اليوم الأول استنطاق إثنين من المتهمين هما عبد الكريم العبيدي وفتحي البلدي حتى ارهقا وارهقت المحكمة وارهق المحامون..
فتم بسبب ذلك ايقاف الاستنطاقات لتتواصل مع البقية في أقرب جلسة…
وقد بذل الرجلان كل جهدهما في الدفاع عن نفسيهما في ظروف مخجلة للأسف…

•••
الحقيقة أن الاستنطاق كان حالة من الحالات التي تسبب الحزن العميق..
لقد كان محاولة قاسية من الدائرة لإيجاد رابط (لا وجود له في الواقع) بين ما تضمنه الملف من أحداث عادية في حياة كل إنسان…
كالترقيات المهنية والتعيينات في هذه الخطة أو تلك للأمنيين وتسوية المسار المهني للمتمتعين بالعفو العام والاتصالات الهاتفية المنتقاة مع فلان أو علان والصور التي تصادف أن تكون فيها…
وبين تسفير الأشخاص المتعمد والمنظم إلى سورية بشار وصيدنايا، باعتبارها البؤرة العظمى للتوتر وقتها..
وقد تركز قلب تلك الأسئلة على أي علاقة ممكنة أو محتملة لهما بحزب النهضة..
باعتبار أن قرار دائرة الاتهام نفسه ومجمل التتبعات قد تأسست وارتكزت على شكاية نائبة برلمانية سابقة ويبدو أنها حالية أيضا….
جوهرها فرضية مقدسة وابتدائية ينطلق منها كل شيء، وهي أن النهضة هي الحزب الذي ارتبط وسعى لتسفير الشباب إلى سوريا…
فالواضح أن دور الملف نفسه وعلة وجوده هو البحث عن إثباتات لهذه الفرضية المقدسة الابتدائية..
•••
لم تعرض على المتهمين حالة واحدة لشخص محدد، بشعره وعظمه كما يقول الفرنسيون، قاما بالتخطيط هما أو أحدهما لتسفيره إلى سوريا…
فضلا عن أن تعرض عليهما أي إشارات إلى أنهما تعاونا معا في إطار تنظيم أو مخطط لارتكاب هذه الجريمة..
علما أن الإحالة تعلقت بالانضمام إلى تنظيمات إرهابية ترتبط بشكل ما بما يسمى التسفير..
والشيء الوحيد الذي يمكن استنتاجه من تلك الإستنطاقات السريالية ومن هذا الملف الغبي..
أنه إذا كان هناك تسفير فعلا، فقد ساهم فيه بعض النقابيين الأمنيين وبعض المتمعشين من الرشاوى أثناء تقديم خدمات إدارية مدفوعة الأجر..
يعني تسفير تمعش مالي وليس تسفير مؤدلج..
على كل موش مشكل هذا التفصيل …
فملف التسفير لا يبحث في وجود التسفير من عدمه…
ولا يهتم بمن ارتكبه إن كان قد حصل..
بل اهتمامه كان فقط بإثبات أن الحزب الفلاني عبر أشخاص محددين قد ارتبط بشكل ما بالتسفير..
حتى لو كان هذا “الشيء ما” هو مضمون ومفردات حملات إعلامية وسياسية مرسلة من خصوم وأعداء ذلك الحزب في عشرية مرت وانتهت..
•••
ومما يسبب الصداع والدوار والإحساس بالتفاهة والعبث أثناء تلك الجلسة التي تمت عن بعد..
والتي تكاد تكون خالية من الصحفيين والمتابعة الإعلامية الجدية..
أن المتهمين كانوا في قاعة في السجن وأمامهم شاشة يرون من خلالها رئيس وأعضاء الهيئة القضائية..
لكنهم لم يكونوا قادرين على رؤية المحامين الذين تدعي قوانيننا أنهم شركاء في إقامة العدل..
أي أنهم كانوا يرون شريكا ويحجب عنهم وجود الشريك الآخر، على فرض تصديق أهزوجة الشراكة أصلا..
والأدهى أنهم لم يكونوا يسمعون ملاحظات المحامين ولا أسئلتهم وهي التي توجه لهم عبر رئيس الدائرة كما جرت العادة..
أي أنه عليك أن تفترض أنه عندما يقبض عليك وتحال على قطب الإرهاب أيها المواطن العزيز..
وهذا محتمل لكل حامل لهذه الجنسية دون ضابط أو منطق أو حاجة لارتكاب فعل مجرم..
ستجد نفسك تحاكم في ظرف لا تدري فيه بالضبط هل حضر محاميك الجلسة أم لا، إلا بشكل عرضي اذا نطق رئيس الدائرة اسمه أثناء تسييره للجلسة..
ولن تستطيع أن تسمع أي سؤال أو استفسار أو ملاحظة أبداها محاميك أثناء جريان المحاكمة..
وليس المهم هنا تقييمك لدور محاميك وحرصه..
بل المهم انك لن تشعر أنك محاط بمن يدافع عنك حقا لأنك عاجز عن سماع صوته، حتى لو بذل كل حباله الصوتية للكلام..
وأنت طبعا لن تسمعه أيضا حين ينطلق في الترافع الذي سيدوم ساعات..
وستكون طيلة ساعات الترافع جالسا في قاعة في سجن..
تنظر من شاشة أمامك لهيئة من القضاة..
وهم جالسين ساعات طويلة في وضعية يبدو لك بالافتراض أن أمامهم أشخاصا يسمون محامين…
يرونهم هم ولا تراهم أنت..
يسمعونهم هم ولا تسمعهم أنت..
يفهمونهم هم ولا تفهمهم أنت..
كل ذلك وأنت تنتظر هذه الجلسة لسنوات بفارغ الصبر لتدافع عن نفسك وأنت موقوف في السجن..
والأغلب أنه قد لا يكون قد تم الاستماع لك من قاض لأكثر من ساعة أو إثنين أو حتى ثلاثة طيلة كل تلك المدة..
والأغلب أنك قمت في تلك السماعات بالجواب عن أسئلة تنطلق من اسمك واسم أمك..
إلى سؤال من قبيل لماذا وجدنا أنك تتواصل هاتفيا مع فلان الفلاني عشرات المرات في ظرف شهرين..
وهذا الأهم في التدوينة الناتجة عن هروب النوم لشدة العبث..
•••
إذ يبدو في النهاية أن اختراع الهاتف كان السبب في كل القضايا الإرهابية في تونس..
ألم تنطلق قضية التآمر مثلا بعدد صفر من الوثائق..
ثم تم تنزيل كل محادثات المتهمين الهاتفية بعد إيقافهم ومداهمة منازلهم..
وتحولت تلك المحادثات إلى ملف تحدث عنه العالم لأشهر طويلة..
أليس مجنونا هذا العالم..
ثم سيطلب منك أن تثق في وجود عدالة على هذه الأرض..
•••
الحقيقة التي أصارحكم بها وأنا فخور تمام الفخر…
أننا قد ابهرنا العالم بإبداعاتنا حقا..
ولن يستطيع أحد يوما أن ينافسنا في شهاقة أو شهوقة أو مشهوقية العلو..
شاهق والله شاهق..
•••
أوووووووووووووووووووووووووف
كم سيكون مؤلما لي ولزملائي عندما سنترافع بعد انتهاء الإستنطاقات…
أن نترافع وكل منا يعلم أن منوبه لا يستطيع سماع مرافعته..
سيكون أمرا مؤلما جدا جدا…
فنحن نعي تماما أننا نترافع لمنوبينا حتى لا نتركهم في العراء بمفردهم…
دون أن يخالطنا أي وهم أننا نترافع لنغير رأي محكمة ما…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.