نصر الدين السويلمي
تباعا يقوم محمد عبو بمهاجمة عشرية الصمود، ويحذر من العودة إلى شرعية ما قبل انقلاب 25 جويلية 2021، مقابل ذلك يطالب قيس سعيد بالتنحي على شرط الفشل في إدارة المرحلة!

هذا المطلب الذي لا يرتكز على الانقلاب وإنما يرتكز على الفشل، هو عملية استنساخ للعبث ومحاولة أخرى بائسة للبحث عن فصل ثمانيني أو سبعيني أو حتى تسعيني يخول اسقاط الأنظمة وفق شهوات الوحم العباوي. لأن من أبسط أبجديات الديمقراطية أن نسبية الفشل والنجاح في تسيير الشأن العام موكولة إلى الجماهير وصناديقها ومكاتب انتخاباتها، تلك هي المحطات الدستورية القانونية الشرعية الكفيلة بتجديد الثقة أو سحبها. من غير ذلك لنا أسوة في مصر حين تمت إزاحة مرسي بتهمة الفشل وهو الذي بلغ سعر الدولار الواحد في عهده 7 جنيه، فيما وصف انقلاب السيسي بالنجاح وهو الذي تجاوز سعر الدولار في عهده سقف 52 جنيه، وكان السيسي تعهد في جوان من العام 2023 بالتنحي إذا وصل سعر الدولار إلى 50 جنيه ولم يتنح ولن. ووصلت قارورة الغاز في عهده “السيسي” الموسوم بالنجاح إلى 200 جنيه، بينما كانت في حدود 5 جنيهات في عهد مرسي الموسوم بالفشل.
لذلك لا بأس من ذكر فشل هذه المنظومة وتلك، لكن الفشل لم ولا ولن يصلح للخلع والإسقاط، وحدها الانقلابات تشرعن للنخب والجماهير الثورة على المنقلب، ويعتبر تزوير الانتخابات من موجبات إسقاط المزور كما المنقلب. وفي تونس حدث الانقلاب الموصوف والتزوير المكشوف.
لكن.. إذا كان الأمر كذلك لماذا يترك محمد عبو حجة الانقلاب كوصفة سحرية شرعية أخلاقية في دعوته إلى تنحي سعيد ويركز على عبارة فضفاضة حمالة مثل الفشل؟ جواب ذلك أن عبو يعده الكثير بمثابة العراب الأول للانقلاب، بل يعتبره البعض صاحب خطة الانقلاب التي أرسلت إلى قرطاج والتي نشرها موقع ميدل ايست، لذلك يشيد عبو بالانقلاب ويقوم بتبريره، بل وأخلقته، ويعتبر ان المشكلة ليست في الانقلاب وإنما في طريقة تصريف الانقلاب، واستهدافه لعناصر من خارج الدائرة الإسلامية، فعبو كان هدفه راس النهضة وشيخها ورموزها، إلى جانب مشروع شراكة بين سعيد والمشهد الحداثوية بعد الاجتثاث التام والجذري لتيار الهوية والثوابت.
من هنا وجب علينا توطين أنفسنا على الاشتباك الدائم مع الانقلابات وعملائها، وكذا الاشتباك مع عمليات التزوير والصبر على تكاليف ذلك حتى سقوط الرذيلة السياسية، كما علينا تجنب التسويق للفشل كموجب للانقلابات لان ذلك من المداخل الشيطانية للثورات المضادة، التي فشلت في المواجهات الديمقراطية المباشرة، فلجأت إلى العمليات الالتفافية وتسربت من خلال العبارات الفضفاضة مثل الفشل والخيانة والعمالة والفساد والتآمر…
الملخص.. تثور الصناديق على الفشل، تثور النخب على التزوير ويثور الشعب على الانقلابات.. لذلك نحن في مهمة لإسقاط الانقلاب والتزوير ولسنا في مهمة لإسقاط الفشل، لا تساعدوا العرّاب في التأسيس لعبث قد تكتوي بناره البلاد حين يسقط الانقلاب، لا يقودكم بلا شكيمة لخوض صراع مع المنقلب من خارج جريمة الانقلاب.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.