أبو يعرب المرزوقي
لما ربحت حماس الانتخابات قبل انفصالها عن فتح نصحت بعض قياداتها الأعلى بعدم المشاركة في الحكم التنفيذي وتركه لفتح أو المشاركة الرمزية فيه والاكتفاء بالحكم التشريعي الذي لهم فيه الأغلبية.

وقد عللت ذلك بجعل حماس وفتح يتعاونان فيما يتفقان عليه لا يعطله التشريع فيناور التنفيذ وما يتفقان على ضرورة رفضه يرفض مجلس النواب فيناوران معا بمنطق العمل الديمقراطي المقنع للعالم.
لكن التعليل الأعمق هو أن الحكومة مضطرة للاعتراف بإسرائيل وذلك شرط التعامل معها في عدم تعريض الحاضنة للمحاصرة في شروط العبش حتى لا تجد إسرائيل ما قد يدفع البعض للخيانة من اجل القوت.
ذكرت بذلك حتى أقدم نصيحتي الحالية في ما يتعلق بالتفاوض على نزع السلاح. نصيحتي هي في ضرورة المناورة في كل تفاوض: فمن يفاوض لا يكتفي بكلمة لا
بل هو لا يحتاج إليها أصلا. فالمفروض المناورة بجعل الخصم هو الذي يخسر المرحلة الدبلوماسية من العمل المقاوم. فإدا كان الهدف هو ربح الوقت أولا والتفكير في الغاية البعيدة.
ما هي الغاية البعيدة؟
هذا السؤال هو الأساس في الدبلوماسية المناورة: إذا كان القصد نزعه بعد تكون دولة أي جعله بيد الدولة الفلسطينية حتى في حدود 67 فلا بأس من التفاوض عليه لأن حماس حينها لن تكن دولة بل حزب بين الأحزاب التي ستقود الدولة.
إذن التفاوض ليس حول تسليم السلاح بل حول لمن تسمله حماس: إذا تم الاتفاق على ما بعد الحرب ومن سيقود غزة وتحديد من سيحكمها بانتخابات حرة فلا بأس من القبول بمنع السلاح من فصيل لتكون بيد دولة فلسطينية تكون فيها حماس حزبا يشارك في الحكم بقدر وزنه.
أما أن تقول لا أفاوض هكذا بإطلاق فلكأنك تقول أريد أن أحافظ على انفصال الضفة وغزة وأبقى دويلة كما عشت منذ الانفصال الذي حدث بعد الانتخابات الوحيدة.
فلكأنك لا تريد حلا ولن تجد من يفهم موقفك في العالم فتخسر كل ما حققته في الصمود البطولي وسيضيع ما ساقط به سرديات إسرائيل لأن الجميع سيقتنع بحجة إسرائيل القائلة أنك تريد تكرار 7 أكتوبر.
مشكل القيادة في حماس تكرر الخطأ الذي حصل في الانتخابات التي بدأت بالتبكير بها لأنها كانت على الانفصال وخسرت مرونة التعامل مع الأوضاع لان المعركة ليست عسكرية فحسب بل هي دبلوماسية كذلك وهي استراتيجية طويلة النفس.
لكني اقدم منطق أفضل من منطق “القاعد لا ينصح المجاهد”. فالمجاهد بحاجة للاجتهاد ليس العسكري وحده بل لا بد له من الاجتهاد الدبلوماسي الممكن من المناورة والمجاورة والمحاورة ربحا للوقت وإفحاما للعدو.
أعلم أن العرب ليس لهم الصبر على مثل هذا المنطق: منطق يا الكل يا بلاش وفي الحالي من أوهام العجلين. والعجلة تناقض المطاولة فلا جهاد دون اجتهاد شديد التعقيد. ويعلم الله أني اجتهد ليكون للجهاد قدرة على تحقيق شروط المطاولة التي يقتضيها اختلال توازن القوى.
وأعتقد أن الانفصال بين حماس وفتح نتج عن التخلي عن استراتيجية الشيخين مؤسس فتح ومؤسس حماس. كلاهما كان يعمل بالتفاهم مع الثاني فحافظا على وحدة حركة التحرير وامكن استعمال السلاحين: الدبلوماسي والمسلح. والله اعلم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.