السبت 12 أبريل 2025
نور الدين الغيلوفي
نور الدين الغيلوفي

تعبنا، فأين مدُّك ؟ أَشلاؤنا أَسماؤنا. لا .. لا مَفَرُّ

نور الدين الغيلوفي

يا خالقي في هذه الساعاتِ من عَدَمٍ تَجَلَّ!
لعلَّ لي حُلُماً لأَعْبدَهُ
لَعَلَّ!
علمتَني الأسماءَ
لولا
هذهِ الدولُ اللقيطةُ لم تكنْ غزّةُ رملا
– محمود درويش –

1. لم يعد من البشر أحد يستحقّ أن يخاطبَ في محرقة غزّة. لا أحد من البشر يرقى إلى الخطاب في الإنسان. هذا الخذلان الرهيب شقيق لهذا الإجرام الفظيع، وهما مؤذنان بهلاك الأرض.
وحده الله جدير بأن يخاطَبَ في خلقه ظالمين ومظلومين. أليس أنّ الظلم في الأرض شرطها؟

2. نوح قال في سياقه: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا.
وإبراهيم قال في سياقه: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى.
وموسى قال في سياقه: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ.
يا ربّي، أنا لست نبيّا من أنبيائك لأسألك فتجيب ولا صفيّا من أصفيائك أدنو منك فتدنو. وليس لي من سياقات الأنبياء والأصفياء شيء.. ولم أَرْقَ في معارج هؤلاء الذين اخترت أنت بنفسك تقريبهم إليك ليدلّوا خلقَك عليك. وامتحنتهم بما لم تمتحن به عبادك الآخرين. ولا طاقة لي بأقوال هؤلاء الذين لهم عليك دالة. أنا تائه.. ضعيف. ولا أكاد من عجزي أتبيّن ولا أستطيع أُبين.

3. أعرف أنّه لا “أين” يحويك ولا كيف يطلعني عليك.
الله فكرة يداوي بها الإنسان صداع رأسه.. ويرمّم بها كسور ما يلقى من حياة الشقاء.
فرضيّة يثبتها المؤمنون وينفيها، أو يشكّ فيها، الذين لا يجدون إلى الإيمان بها طريقا.
لا أحد من خلق الله يختار بمحض إرادته أن يبتعد عن خالقه أو أن ينكره في نفسه وهو في أشدّ الحاجة إليه. ولكنّ الله قرّر أن يحتجب عن خلقه ويبقى سرّا مكنونا لا يدركه منهم غير صفوة. هذه الصفوة يعيش فيها كلُّ فرد منها تجربة ذاتيّة لا يملك أداة لتعديتها إلى غيره. ربّما هم كدحوا فجنوا ثمر ما كدحوا فالتقوا بما وُعدوا. أمّا أنا فليس لي من دليل غير خبر. هذا الخبر يختصم مع ذاته فيّ.. فأنا في حلبة ذاتي مشدود إلى صراع لا يتوقّف. يتعبني الصراعُ ولا يَتعَب.

4. يا ربي،
منذ السابع من شهر أكتوبر البشريّ وأنا أكاتبك وأرجوك وأدعوك وأتوسّل إليك وأتوسّع في توسّلي.. أسبح في خطابي من كلامي لا أنتظر منك دليلا ولا أطمع في جواب. فقط أريد لبعض أمانيّ أن تجد في الأرض طريقَ مسير ولو بحبل من سماء لا أراه.. لا أطلب الكثير.
غزّة أمام ناظري من صباحي إلى المساء. إن أعرضتُ عن الشاشات وجدتُني لها شاشةً.. تغوص في قلبي مثل جرح غائر.. أرى القهر قد استوطنها وأرى أبناءها يتطايرون في غبار الموت أشلاءً، يقتَّلون من شرار خلقك كما لم تروِ لنا كتبُك. فأين نصر المؤمنين؟ أما قلتَ كان حقّا علينا؟
غزّة بما تحمّلت من العذاب قد تفوّقت، في ما أعلم، على كلّ القرى التي حدّثتنا عنها من أخبار غيوبك.. ولقيت من خذلان الأقربين وإساءاتهم أضعاف ما تلقى من الأعداء وإجرامهم.. والعالم كلّه يسمع ويرى كأنّ غزّة باتت مسرحا لتمثيل أقسى تراجيديا في التاريخ.
فلماذا كلّ هذا؟
وما الحكمة منه؟
الامتحان؟
أيّ امتحان هذا الذي يجعل قرية آمنة لا ذنب لها تلقى كلّ هذا الاعتداء؟
الجنّة؟
الجنّة مصير لا أحد من الأحياء يدري عنه شيئا. هي خبر من بين الأخبار التي لا دليل من حسّ أو عقل عليها. مصير يسلّم به المقهورون ليبتلعوا، عن رضى وإكراه، نيران الحياة الدنيا التي لا خصلة تستوطنها أشدّ من خصلة الظلم.
ألا تكون جنّة إلّا ثمرة لكلّ هذا القهر والترك والخذلان؟
أيّ معنى؟

5. حين أمرّ بقول لك ((يا عبادي إنّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّما فلا تظالموا))، وأرى المظالم تستوطن أرضك لا أفهم.. قولك المنسوب إليك تهدّمه الوقائع ويتغذّى على نفيه التاريخ.
قالوا لي إنّك قلته تنهى فيه عبادك عن التظالم. ولكنّهم لم ينتهوا فتظالموا. عصوك وأسكنوا أرضك عصارة ظلمهم.
أعرف، يا ربّي، ما يحتجّ به محبّوك الذين ينتظرون أن يتجلّى عليهم مطلق عدلك وما يقول به اليائسون.
أعلم أنّني لا آتي بجديد. ولكنّني يضيق صدري ولا ينطلق بياني. أنفجر بهذا الحديث إليك انفجارا.
أعلم أنّ بعض أدعياء الإيمان بك من حرس بيبانك قد يغضبون منّي ويهجمون عليّ لأنّني في عرفهم قد أكون جرؤت على جلالك. جلّ جلالك وتعاليت عن سوء مسيء،
يا فكرتي الأبهى،
يا رب.

6. غزّة قهرتني يا ربي. بل سحقت روحي وجفّ لها ريقي وفقدت كل أسباب العقل وأصناف البيان.
لن أسألك، فهم أولى منّي بسؤالك.
ولن أضرع إليك، فهم أولى مني بأن تسمع ضراعتهم.
ولست أحتج عليك، يكفي احتجاجُهم عليك عند قولهم انقطعت الأسباب. ولكنّني، أصارحك يا ربي، بأني أضيق باختفائك.
اختفاؤك في مثل ظروف الأرض هذه قد يبني جدارا بين خلقك وبينك. ولا نبيّ يمكن أن يردّ مخلوقا شرد إلى خالقه.
لست أطالبك بمعجزة. ولكنّني أدعوك إلى التجلّي فقد عبثوا بنا كما تفعل الشياطين.

7. أعلم أنّنا لا نفهم من الأمور أبعد من ظواهرها. وأنّ اختفاءك دليل على ما لا ندرك من حكمتك.
ولكنّني أقول لك ما قال لك نبيك: اللَّهمَّ أينَ ما وَعَدْتَني؟ اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ، إنْ تهلِكْ هذهِ العِصابة مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا.
ذاك نبيُّك وصفيُّك من خلقك. قال ما قال وهو مدعّم بوحيك، فما ظنّك بأتباعه من أهل غزة هؤلاء رميتهم بشرّ خلقك من الذين لم يعرفوا يوما شرفا ولا قيمة؟
لقد اختنقنا بموتهم يا رب،
أفتشنقنا بحبل عجزنا دونهم؟


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

نور الدين الغيلوفي

لو أنّهم تعلّموا الشكّ لأنصفوا

نور الدين الغيلوفي (والعوامّ أقلُّ شكوكًا من الخواصّ، لأنّهم لا يتوقّفون في التصديق والتكذيب ولا …

نور الدين الغيلوفي

رسالة إلى الأستاذ الشيخ راشد الغنوشي بمناسبة حلول شهر رمضان

نور الدين الغيلوفي 1. صائم أنت يا شيخ؟ سمعتُ أنّك صوّامُ نهارِك قوّامُ ليلِك من …

اترك تعليق