تدوينات لحرية الرأي وثقافة الحوار
أبو يعرب المرزوقي
1. أواصل الكلام في ثمرات الطوفان التي ستغير وجه التاريخ البشري كله ولا تقتصر على تحرير فلسطين. فسواء استطاعت حماس الصمود وفرض شروطها في المفاوضات أو تواصل الخذلان والمؤامرة فإن الثمرات تحققت بحيث إن إسرائيل وإيران لن تقوم لهما قائمة بعد الطوفان عسكريا وسرديات تأسيسية لمشروعيهما.
2. فلأعرف مشروعيهما وما فيهما من مشترك: فكلا النظامين يدعيان مرجعية دينية إسرائيل تعتمد على تخريف التحريف الذي أصاب دين موسى وتحويله إلى دين العجل وشعب الله المختار وهو سلطان الصهيونية وإيران تعتمد على تخريف التحريف الذي أصاب دين محمد وتحويله دين الدجل الباطني وأسرة الله المختارة.
3. وكلتاهما تكسوان هذه المرجعية المحرفة لدين موسى ودين محمد بخدعة الديموقراطية الشكلية في حين أن الحاكم الفعلي فيهما ليس الشعب بل عين اللوبيات التي تستعمل المال الفاسد والإعلام المضلل أي معدن العجل أو ربا الأموال وخوار العجل أو ربا الأقوال لفرض رؤية تستعبدنا بحكام باسم إرادة الدجال.
4. وهما لا يحكموننا مباشرة بل بما دونهم وبما فوقهم: فما دونهم هم عملاؤهما من حكام العرب ونخبهما لأن هذين انقسموا إلى توابع لهما يأتمرون بأمرهما. لكن إسرائيل وإيران هما بدورهما تابعان لقطبي العالم: الأولى للغرب الثانية للشرق. وقد شاركوا كلهم في إفشال الربيع ويريدون إفشال الطوفان.
5. لكن الله شاء أن ينشأ في لحظتنا الراهنة قلة من الأبطال يذكروننا بالقلة التي كانت حول الرسول الخاتم الذين تمكنوا أولا من بناء نواة الدولة الإسلامية ثم ثانيا من توحيد العرب بعد حرب الردة ثم ثالثا من إسقاط إمبراطورية الأكاسرة ثم رابعا من إخراج بيزنطة من جل ما كانت تحلته من الإقليم.
6. وبخلاف ما يتوهم الانهزاميون فإن المرحلة الراهنة من تاريخ الإنسان تحاكي إلى حد كبير ما حصل في هذه المراحل الأربعة على الأقل في المستوى الرمزي لأن الانتقال إلى المستوى الفعلي شرطه تحقق المستوى الرمزي: تكون المقاومة السنية التي ستمكن من الاستئناف التاريخي: فالقدس هي المدينة الثانية.
7. كيف ذلك؟ من كان يصدق أن القلة التي حققت هذه المراحل الأربع التي وصفت في النشأة الأولى كان يمكن لمعاصريها أن يصدقوا أنها ستكون قادرة على إسقاط فارس فتصل إلى حدود الصبن وتحرير الإقليم من بيزنطة فتصل إلى قلب فرنسا؟ ما كان بوسع أحد حينها تصور ذلك سيحصل لكنه حصل في اقل من نصف قرن.
8. وما كان في ذلك العصر قد تطلب نصف قرن فهو قابل لان يحصل في عصرنا في عقد على الأكثر. فلو نظرنا في ما أعد للرجال الذين وحدوا الجزيرة لوجدناه تقريبا معادلا لما حصل من كفاح منذ وعد بلفور إلى الطوفان: حوالي 100 حول قبل القرآن وتنامي الدور العالمي: مشروعا في مكة وتحقيقا في المدينة.
9. لكن من له دراية بالتاريخ بعد الفتنة يعلم أن دولة الإسلام لم تكتمل فعليا إلا بعد الحسم في الحروب الأهلية الأربعة التي سبقت تأسيس الدولة الكونية بشرطيها أي تعريب الإدارة سياسيا وتعريب العملة اقتصاديا في العاصمة الجديدة للخلافة التي صار فيها الأقصى مسرى الرسول ذا فاعلية كونية.
10. عبقرية عبد الملك ابن مروان تمثلت في هتين الثورتين ووصلهما بالإشكالية التي ظلت خفية رغم كونها جوهر الرسالة المساوية الخاتمة: لا يمكن للإسلام أن يصبح دينا كونيا بالفعل لتجاوز كونيته بالقوة قبل تحقيق الشرطين الفعلي الرمزي في آن” اختبار مسرى الرسول لإنهاء حرب العرب الأهلية (في مكة).
11. نهاية ابن الزبير كانت بداية استئناف الفتوحات وعولمة اللسان والعملة العربيتين في كل دار الإسلام ونهاية الحرب الرمزية والمادية ضد كونية الإسلام: لم تبق العربية لغة تعبد فحسب بل صارت لغة الدين والعلم بفضل تعريب الإدارة والتعليم العلمي وصارت العملة العربية شاملة لكل الخلافة العالمية.
12. وما كنت لأقص ذلك لو لم يكن هو عين ما ينقصنا حاليا لكي نسترد قوتنا المادية والروحية: فوحدة العرب هي التي ستنهي سايكس-بيكو وستتأسس على ما حصل عالميا: فقد أثبتت قلة من المقاومة السنية إثبات هشاشة إسرائيل وإيران وعجز الحكام العرب وتغير المناخ الروحي في العالم لدى شباب الغرب وفضلائه.
13. هزيمة إسرائيل بينتها هشاشتها العسكرية وسقوط سردياتها وهزيمة إيران بينتها هشاشتها العسكرية قبل ذلك لأنها هزمت في الشام ولولا حماية بوتين لها وللنظام الطائفي لكانت الثورة قد أخرجتها ومعها ميليشياتها كلها وخاصة ذيلها اللبناني: تبين عجزه حتى في حماية نفسه في تمثيلية قواعد الاشتباك.
14. ولا احتاج لبيان عجز الأنظمة العربية من الماء إلى الماء: فجيوشهم أوهى من بيوت العنكبوت وليس لها إلا وظيفتان: حماية الإستبداد والفساد وإرهاب الشعوب واستغلالها والاكتفاء ببيع ثروات البلاد والطاقة والممرات والتآمر على بعضهم البعض لخدمة أعداء الأمة أي إسرائيل وإيران وحمايتهما.
15. وأخيرا فإني مطمئن إلى حد كبير بأن الانتصار قد تم ولم يبق إلا صبر ساعة ليرفع الجيش الإسرائيلي الراية البيضاء لعلتين: لم يعد بين من استقروا فيها إلا أغبى يهود العالم لأن الأذكياء فهموا أن اللعبة انتهت. هي معركة المؤخرة يخوضونها يائسين وأذيالهم من حكام العرب معهم بدأوا يفهمون الأمر.
16. وهذا الانهيار الإسرائيلي في الإقليم وفي العالم الغربي خاصة سيتلوه حتما رديفه الإيراني وفي العالم الشرقي. ذلك أن العراقي والسوري واللبناني واليمني وحتى الشعب الإيراني لم يعد احد بعد ذلك قابلا لان يخضع لمافية حرس الثورة الفاسد المستبد.
17. سيقال أنت تحلم يا أبا يعرب. واعلم أن ذلك ما يمكن أن يقال لي لذلك تكلمت على ما كان غير قابل للتصديق عندما تأسست دولة الإسلام في المدينة: هل كان الرسول والصحابة يستطيعون تحقيق ما حققوه من دون إنهاء دور يهود المدينة؟ وهل كان الإسلام يعم من دون توحيد العرب وهو بداية الفتح ثم استئنافه.
18. وهل كان استئناف الفتح يكون ممكنا -الحجاج فتح الهند وما حوله- دون هزيمة الفتنة الكبرى أي الجزء الثاني من أعداء الإسلام باطنية الفرس بعد خداع اليهود؟ وهل كان تعريب الإدارة والعملة يتحققان -شرطين للكونية- لو لم يكن الاستئناف قد تحقق مع عبد الملك؟
19. لكن ذلك لا يكفي للدلالة على الاستئناف الذي بدأ مع الطوفان لولا حجتان انهي بهما هذه المحاولة: الغرب الأقصى (أمريكا) لم يعد بوسعه محاربة الإسلام لأن الله مكن منه عدوا يلهيه عنا (الصين وروسيا) والذيلان الإسرائيلي والإيراني من دون أمريكا وروسيا لن يستطيعوا منع الأمة من الاستئناف.
20. وذلك ما أعنيه بمكر الله الخير: فأمريكا على أبواب الفوضى والانكماش سواء مر ترامب أو بقي بايدن. وأوروبا ستنهار بسبب فشلها في أوكرانيا ومن ثم فالظرفية مواتية لتحقق وعد الله بشهادتنا على العالمين فنكون من ينقذ البشرية من التلويثين المادي والروحي في العالم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Mitolyn This is really interesting, You’re a very skilled blogger. I’ve joined your feed and look forward to seeking more of your magnificent post. Also, I’ve shared your site in my social networks!