السبت 22 مارس 2025
بحري العرفاوي
بحري العرفاوي

العجمي الوريمي: بين “مثقف عضوي” و”مثقف حزبي”

بحري العرفاوي

اسمه يدل عليه، لا يحتاج تعريفات إضافية، اسمه يحيل إلى فكرة وإلى سلوك وإلى منهج، إنه عالَم بذاته لا نحتاج معه جهدا كبيرا لفهمه، يكفي تأمّل ملامحه وحسن الاستماع إليه، فهو ليس من الذين يتكلفون وداعة أو يصطنعون لياقة أو يتباهون بأي شيء من عالم “الأشياء” ومما لا علاقة له بالمعنى وبالقيمة وبالإنسان.
التقيته أول مرة في شتاء 2009، وهو حديث خروج من السجن، لم يتحدث عن السجن ولم يلتفت إلى ما قبل ذاك اليوم، كان يتحدث عن المستقبل بروح تفاؤلية وبيقين العارف المؤمن المستشرف.

العجمي الوريمي
العجمي الوريمي

■ اكتشفت فيه لطفا دون ضعف وقوة دون قسوة وذكاء فطريا غير اصطناعي، ورغم أنه مسكون بالأسئلة والأشواق فلم يكن إلا هادئا وقورا، لا تفارقه ابتسامته المُشرَعَة على عوالم المحبة واللطافة واليقين.
التقينا بعدها في مناسبات أخرى، وتحدثنا دائما في ما هو فكر وأدب، كان متابعا لما تشهده الساحة يومها من بعض الأنشطة الثقافية والفكرية في بعض الفضاءات ومنها منتديات بعض الأحزاب وقد حضرنا معا ندوة فكرية في منتدى التقدم التابع لحزب الوحدة الشعبية بإشراف الأستاذ عادل القادري.

■ اتصل بي مرة هاتفيا، وقال لي إن مفكرا مصريا اسمه طارق حجي قدم مداخلة بالمكتبة الوطنية بحضور ناشطين منتمين لتيار الحداثة، وأنه قال فكرة خطِرة ، إذ دعا إلى عدم التردد في تلقي أي دعم خارجي لمواجهة التيارات الرجعية، العجمي أعلمني أن الضيف سيشارك من الغد في نشاط بكلية الأداب منوبة، وسألني إن كان يعنيني الحضورُ، وحضرت فعلا وناقشت الضيف مشيرا عليه ومن معه ، وكان بجانبه على المنصة الدكتور عبد المجيد الشرفي، بأنهم إنما يشتغلون في تقليب الموتى وأنهم أشبه ما يكونون بمن يحاصرون ظلمة غادرها أهلها، وأنهم لا ينظرون الى المستقبل ولا يرافقون ما يحصل من تحولات في عالم الناس.
بعد 2011، وقبل مغادرة بن علي البلاد، أعلمته هاتفيا أن وسائل إعلام من الداخل والخارج اتصلت بي تطلب مني رأيا فيما يحدث، فأجابني بعنوان قصيدتي التي نُشرت قبل مدة وهو :”خذوا حذركم”.

■ في الذكرى الأولى ل 14 جانفي، أي في 2012، أعلمني أن محامي تونس بالمغرب يستدعونني للمشاركة في إحيائية أشواق الثورة، حضر السفير التونسي ألقى كلمة وغادر، وكان النشاط متنوعا، ألقيت فيه كلمة وقصائد، لا أعرف أحدا من جمعية “دار المحامين التونسيين بالمغرب” ، أغلبهم كانوا ممن تابعوا مشاركاتي في الأنشطة الثقافية بالجامعة في الثمانينات، وكان اسم العجمي الذي درس الفلسفة بالمغرب حاضرا عند هؤلاء.

■ سلمني ذات لقاء كراسا من الحجم المتوسط فيه نصوص بخط يده كتبها بالسجن، نصوص في الفكر وفي قضايا الإنسان المعاصر ، حين أرجعت إليه كراسه سألته إن كان ينوي نشر مخطوطه في كتاب، وشجعته على فعل ذلك.

■ العجمي الوريمي هو أعمق من تعريف قرامشي للمثقف العضوي، فهو ليس فقط ملتحما بقضايا الناس وليس فقط من بين طلائع الوعي الذين يعون ويُوعّون، وليس فقط مناضلا ضد الظلم وضد التخلف والجهل، بل إنه مع ذلك مفعم بحب الناس لا ييأس من أحد ولا يقطع حبل وصل ولا يرى الانتماءات الصغرى معيقة للعناوين الكبرى التي هي مشتركات الهوية الإنسانية.
هذا “الفيض” الانساني هو الذي جعل تواصله مع الجميع ممكنا، وجعله مصدر ودّ حتى مع من لا يوادّونه.

■ انتماؤه الحزبي لم يمنعه من أن يكون إنسانيا، أي ما فوق حزبي وما فوق إيديولوجي، ولكن هذا الانتماء هو نفسه الذي سيكبّله وسيجلب عليه الكثير من المتاعب.

  • فهو بالنسبة لخصوم حزبه لا يستحق أن يرقى إلى مستوى مثقف عضوى ولا إلى مرقى الاستقامة الإنسانية ، إنه حتى وإن كان صديقا، فهو خصم سياسي وهو عدو إيديولوجي.
  • وهو أيضا عند جمهور حزبه “مهادن” لأعدائهم الذين نكلوا وينكلون بهم، وهو “طيب” إلى حد السلبية حين لا يبدي “صرامة” في مواجهة الاستئصاليين (وقد تعرض فعلا الى انتقادات بعضها كان حادا ومؤذيا).
    وبسبب تلك الانتقادات ، وبسبب انصراف جزء من جمهور حزبه نحو خطاب يبدو أكثر ثورية ومبدئية، “اضطر” العجمي وهو أمين عام لحزبه، إلى نشر تدوينات بدت غير منسجمة مع جوهره بل متناسبة مع تحزبه، بل إنه نشر رسالة موجهة لي كـ “شاعر” وكـ “صديق” يفسر لي أسباب غضب جمهور حزبه من كتاباتي التي بدت لهذا الجمهور مهادنة لمن لم يراعوا مشاعرهم وحقوقهم بل فيهم من كان متورطا في محنتهم.

■ تماما، كما الأرض الصلدة، لا ينبت فيها زرع ولا زهر، فإن المجتمعات التي عانت الاستبداد والقهر، لا تتسع صدور أهلها وحتى مثقفيها للتنوع والاختلاف، ويظل كل “هيثم” فيها غريبا لا يضيق بالناس وإنما يضيق الناس به.

■ الحديث عن العجمي، هو بعض حديث عن “الإنسان” وعن الحرية وعن بعض معاني المحبة والجمال واللطافة والأناقة.
العجمي، هو بعض رصيدنا الوطني وهو كثير من أصالة شعبنا.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بحري العرفاوي

علي لعريض.. هل يُدّخرُ لإحدى رئاسيتي السلطة ؟

بحري العرفاوي لم يترشح للبرلمان السيد علي لعريض: هل يُدّخرُ لرئاسة الحركة أم لإحدى رئاسيتي …

بحري العرفاوي

"الحقيقة" و"النفس"

بحري العرفاوي “الحقيقة” ليست تصورا جاهزا يمكن ادعاء امتلاكه أو نفي امتلاك الغير له، “الحقيقة” …

اترك تعليق