نصر الدين السويلمي
إضافة إلى ما يمثّله للمسلمين من فرصة للاقتراب أكثر من ربّهم وتكثير التكافل فيما بينهم واستمطار الرّحمات، فإنّ رمضان كان وما زال يمثّل مادّة خصبة للباحثين والمستشرقين وما زالت مراكز الدراسات والجامعات تتناوله بشكل متزايد، مرة تتحدّث عن فوائده وأخرى عن النتائج العكسيّة التي يخلّفها الصّيام الغير مدروس، أراء طبيّة وأخرى فكريّة ثقافيّة تتناول الشّهر الفضيل وتقدّم رؤيتها ليس بالضرورة إعجابا به ولكن لأنّه فرض نفسه كعبادة ملهمة للمسلمين وكثقافة بارزة لا يمكن تجاهلها.
كتابات كثيرة تناولت رمضان وسيل من المختصّين والخبراء والباحثين درسوا الصّيام وتحدّثوا عن فوائده وتعرّضوا إلى خصائصه، نحاول أن نرصد القليل من الكتابات التي أخضعت الشّهر الفضيل إلى مجهرها وتناولته ضمن سياقات دينيّة وأخرى ثقافيّة.
الفيلسوف البريطاني توماس كارلايل: “أي دليل أشهر ببراءة الإسلام من الميل إلى الملاذ من شهر رمضان تلجم فيه الشّهوات، وتزجر النّفس عن غاياتها، وتقرع عن مآربها؟ وهذا هو منتهى العقل والحزم، فإنّ مباشرة اللذّات ليس بالمنكر، وإنّما المنكر هو أن تذلّ النّفس لجبّار الشّهوات، وتنقاد لحادى الأوطار والرّغبات، ولعلّ أمجد الخصال وأشرف المكارم هو أن يكون للمرء من نفسه على نفسه سلطان، وأن يجعل من لذّاته لا سلاسل وأغلال تعيبه وتعتاص عليه إذا هم أن يصدعها، بل حُلِيًّا وزخارفًا متى شاء فلا أهون عليه من خلعها، ولا أسهل من نزعها، وكذلك أمر رمضان سواء كان مقصودًا من محمّد معينًا، أو كان وحي الغريزة وإلهامًا فطريًّا فهو والله نعم الأمر”.
المستشرق البريطاني إيوان ميردين لويس: “قد أدى اعتناق الإسلام، بالإضافة إلى تأثيره على عادات اللباس والنّواحي الأخرى للثقافة الماديّة، وبصورة خاصّة على الهندسة المعماريّة إلى إعطاء طابع إسلامي قوي للطقوس الحياتيّة الأساسيّة التي يتميّز بها مجرى حياة الفرد من المهد إلى اللحد، ذلك لأنّ هذه الطقوس متشابهة إلى درجة كبيرة لدى الجماعات المسلمة الكائنة في جنوب الصحراء الكبرى، بالرغم من التنويعات المحليّة التي تعكس عناصر سابقة للإسلام، وبالطريقة نفسها نجد أنّ التقويم الإسلامي بطقوسه الشعبيّة، وخصوصًا في رمضان، شهر الصيام، يعطي طابعًا متجانسًا لتنظيم الحياة في جماعات كانت بينها في الماضي فروق كبيرة”.
المستشرق الفرنسي جاك ريسلر: “على امتداد شهر رمضان، من الشّفق إلى الغسق، يتوجّب على المؤمن الامتناع عن تناول أي مأكل ومشرب، يمكن اعتبار إماتة الجسد القاسية هذه فعل رحمة واسترحام، نوعًا من التكفير عن الأخطاء، وبالتالي فعلاً تَشَفُّعِيًّا يتقرّب به الصائم من ربّه، ولكنه يرمي أيضًا إلى توطيد الضبط الاجتماعي وجعل المؤمنين يشعرون بتماسكهم وتكافلهم”.
المستشرق البريطاني توماس أرنولد: “إن معارف الإسلام التي عرفها النّاس على هذا النحو قد تجذب أحيانًا فردًا يدخل في الإسلام، كان من الممكن أن ينصرف عنه لو أنه قدم إليه على صورة لا يرغب فيها، باعتبارها هبة حرّة، ولا حاجة إلى القول بأنّ صيام شهر رمضان جزء من دليل ثابت يدحض النظريّة القائلة بأنّ الإسلام نظام ديني يجذب النّاس عن طريق مراودتهم في ملذاتهم الشخصيّة، وكما قيل كارلايل: “إن دينه ليس بالدين السهل: فإنّه بما فيه من صوم قاس وطهارة وصيغ معقدة صارمة وصلوات خمس كلّ يوم وإمساك عن شرب الخمر، لم يفلح في أن يكون دينًا سهلا”، ولكن هؤلاء المسلمين يعنون بتلك الفرائض وغيرها من الشعائر الدينيّة، ولكن من غير أن يثقلوا بها كواهلهم أو تجعلهم مغمورين في الحياة، نجد أركان العقيدة الإسلاميّة تلقى دون انقطاع تعبيرًا ظاهرًا في حياة المؤمن؛ ومن ثمّ نجدها، بعد أن أصبحت متشابكة مع نظام حياته اليوميّة تشابكًا لا سبيل إلى الفكاك منه، تجعل المسلم الفرد إمامًا ومعلمًا لعقيدته، أكثر إلى حدّ بعيد ممّا هي الحال مع أنصار معظم الديانات الأخرى”.
عالم الاجتماع الفرنسي جوستاف لوبون: “تأثيرُ دِين محمَّد في النّفوس أعظمُ من تأثير أي دِين آخر، ولا تزال العروقُ المختلفة التي اتَّخذت القرآن مُرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذُ ثلاثة عشر قرنًا، أجَل قد تجد بين المسلمين عددًا قليلًا من الزنادقة والأخلياء، ولكنَّك لن ترى مَن يجرؤ منهم على انتهاك حُرمة الإسلام في عدمِ الامتثال لتعاليمه الأساسيَّة كالصلاة في المساجد وصوم رمضان الذي يُراعي جميع المسلمين أحكامَه بدقَّة مع ما في هذه الأحكام من صرامة لا تجد مثلها في صوم الأربعين الذي يقوم به بعض النصارى كما شاهدت ذلك في جميع الأقطار الإسلاميّة التي زرتها في أسيا وإفريقيا… وعلى من يرغب في فهم حقيقة أُمم الشرق التي لم يدركِ الأوروبيُّون أمرَها إلا قليلًا أن يتمثَّل سلطان الدين الكبير على نفوس أبنائها”.
الفيلسوف الألماني جيهاردت: “الصيام هو الوسيلة الفعالة لتحقيق سلطان الروح على الجسد، فيعيش الإنسان مالكًا زمام نفسه لا أسير ميوله الماديّة. فوظيفة الإرادة تكبح جماح الغريزة، وتخفّف من غلواء القوى الشهوانيّة التي في عروق الإنسان، التي تثير شهواته وعواطفه، مثل الضابط الذي يحكم المعسكر فيمنع توتره وفضوله. أنّ ممارسة الصوم، في شهر رمضان، تمرّن الصائم على اعتياد التحرر والانفكاك من شباك الغريزة ومكائدها، وترهف عزيمته وتشحذ مواهبه، وتستخرج ركائزه الدفينة ليودعها مصرف روحانيته ليجدد عنها عند الشدائد مدد الثبات والعزم والخشونة والجلد، حتى ينقلب الصائم بطلاً تنفجر أعصابه إيمانًا ومضاء، فلا يذل ولا يخشع ولا يستكين، وإنما يبقى كالجندي المعبأ يتحفز أبدًا للدفاع والوثوب. إنّ مدرسة الصوم تربي في الصائم إرادة قويّة فولاذيّة لا تُفلّ ولا تُكسر، ولكم خاض بها المسلمون معارك ضارية، فما لانت لهم قناة، ولا زلّت لهم قدم، ولا هانت لهم عزيمة، وإنّما خرجوا من هذه المحن كما تخرج قطعة الذهب إذا وُضعت في النار لا تزداد إلاّ تألّقًا وصفاء. فالصوم حافز للجهاد، ودافع من دوافع النّصر والاستشهاد”.
القسيس كاريل: “إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مرّ العصور، وإنّ الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث في أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه يحدث إلى جانب ذلك ظواهر خفية أهم بكثير فإنّ سكر الكبد يتحرّك ويتحرّك معه أيضًا الدهن المخزون تحت الجلد، وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصّة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب، وإنّ الصوم لينظّف ويبدّل أنسجتنا والصوم الذي يقول به كاريل يطابق تماماً الصوم الإسلامي من حيث الإمساك فهو يغير من نظام الوجبات الغذائية ويقلل كميتها”.
الطبيب الامريكي روبرت بارتول: “لا شك في أنّ الصوم من الوسائل الفعّالة في التخلّص من الميكروبات، ومن بينها ميكروب الزهري، لما يتضمّنه من إتلاف الخلايا ثمّ إعادة بنائها من جديد وتلك نظرية التجويع في علاج الزهري”.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.