السبت 22 فبراير 2025
أبو يعرب المرزوقي
أبو يعرب المرزوقي

تونس ضحية الإصلاح التخريبي

أبو يعرب المرزوقي

العنوان يمثل المفارقة الأساسية التي من دونها يستحيل فهم ما حل بتونس التي خرجت من تاريخ الإقليم وتكاد تحرج من جغرافيته.
والغريب أن هذه المفارقة هي كون كل المراحل التي أوصلتنا إلى هذين المصيرين كانت باسم الإصلاح والثورة.

في المرحلة الأولى:

البورقيبية بحقبتيها أي الغرق وفشل التدارك

مرحلة حكم البورقيبية بعقلية طه حسين التي تلت ما يسمى بالاستقلال تعلق الإصلاح المزعوم بمقومات كيان الإنسان العضوي والمادي أي:

  1. الأسرة والديموغرافيا
  2. والمدرسة والثقافة
  3. والمعبد والعقائد
  4. والمعمل ووسد الحاجات
  5. وأخيرا ما يترتب على ذلك من تفكك لحمة الجماعة بتعطل العنفوان العضوي والعنفوان الثقافي والعنفوان الروحي والعنفوان الممكن من الاكتفاء الممسك بلحمة الجماعة المدركة لهوية تمثل رؤيتها لمسارها في التاريخي الطموح.

في المرحلة الثانية:

المرحلة الابن علوية بحقبتيها

مرحلة بن علي بعقلية التعامل مع مجتمع مفكك اسريا وديموغرافيا وتربويا وثقافيا وعقديا وروحيا وفشل في سد الحاجات يعوضه بيع الأصول من الثروات والصناعات.
وختاما الميل إلى الإمساك العنيف بالهشيم الحاصل ورمزه فساد كل المؤسسات وسيطرة “الزوافرية” (البلطجية) على السلطات التي كان يمكن أن تتدارك بداية تحلل الجماعة فسيطرت المخدرات والصفقات بين المافيات.

المرحلة الثالثة:

العشرية بحقبتيها: الترويكا والتوافق المغشوش

فوضى تعلم الحجامة في رؤوس اليتامى أو ما يسمى بالعشرية التي تقاسمتها الترويكا باسم الثورة والرستوراسيون باسم التوافق إلى أن تجلت كل عيوب المرحلتين الأوليين بحقبتي كل واحدة منها.

فكانت أربع حقب تمثل مراحل الإصلاح التخريبي الذي تكلمت عليه.
ذلك أن كل حقبة من حقب المراحل تكون الثانية منها حاملة لشعار إصلاح الإصلاح الذي يعني المزيد من التخريب ومواصلة تفكيك اللحمة.

ذلك أن إصلاح الأسرة والديموغرافيا آلت إلى انهيارهما معا بحيث إن 60 سنة لم تخرج تونس من الفقر الاقتصادي كما زعموا بل أضافت الفقر الديموغرافي والخلقي لأن ما سمي تحريرا للمرأة تحول إلى تعنيس لجل النساء وتحويلهن إلى عاملات رخيصات.

وهذا ما أنهى كل إمكانية التنمية الاقتصادية والبشرية وعمم المدن القصديرية حول المدن وزاد عدد المقاهي والحانات وتجارة العوانس والسياحة الرخيصة التي تزيد البلاد هشاشة وقباحة توحي بالحداثة التي لا تتجاوز المحاكات الفردية للحاجات الاستهلاكية.
الحاجات التي لا تقابلها شروطها الإنتاجية غير الرغبة في الهجرة والتجارة في المخدرات وبيع البضائع الصينية التي انهكت الاقتصاد الرسمي بالاقتصاد الموازي الذي يماشي ثقافة المدن القصديرية والتجارة بالأبدان البشرية.
فصارت المحدد الأساسي لبنية الجماعة التي فقدت استقرار الأسرة والمدرسة والمعبد والمعمل وتحلل كل العلاقات التي لم يعد مسيطرا عليها غير بداوة الصراع البيني وتبادل الكراهية وتشفي الكل في الكل.

المرحلة الرابعة:

مرحلة الانقلاب وما ترتب عليه أو ما تجلى فيه

إنها مرحلة ما وصفت في مقال الأمس هو الموالي في الرؤية الخلدونية أي مرحلة النكوص ما كانت عليه تونس قبل المرحلة الأولى.
إنها المرحلة التي جمعت كل ما هو تخريبي في محاولات الإصلاح السابقة أعني فشل تدارك غرق البورقيبية وفشل تدارك غرق الابنعلوية وفشل تدارك غرق العشرية والوصول إلى الغرق المطلق والنهائي الذي ليس لتونس منه مخرج من دون الله وشوكة الدولة مما تردت إليه شوكات جل العرب الذين عرفوا الربيع: من العراق إلى لبنان واليمن والسودان وليبيا أي تفكك الجزء الوحيد لبقاء الدولة.
ذلك أن المقومات الخمسة التي وصفت أي الأسرة والمدرسة والمعبد والمعمل ولحمة الجماعة كلها قد خربت إلى حد يعسر تداركه.
ولما تفسد هذه المقومات لا بد أن تكون قد فسدت قبلها المقومات التي تناظرها في الأرواح والنفوس: فلن تبقى للجماعة نخبة ممثلة لإرادتها ولا نخب ممثلة لعقلها ولا نخب ممثلة لرؤيتها المشتركة ولا نخب ممثلة لذوقها المشترك ولا خاصة لنخب قدرتها المنتجة لشرطي قيام الجماعات أعني التموين المادي (الاقتصاد) والتموين الروحي (الثقافة) بعد فساد نخب التكوين النظري والعملي شرطي الاستعمار في الأرض.
وهو معنى الزوال من التاريخ ومن الجغرافيا.

المرحلة الخامسة:

مرحلة ظهور علامات الاستئناف المبشرة بما يعيد تونس إلى التاريخ والجغرافيا وتخلص شعبها من الأمراض التي وصفت

لكني لا افقد الأمل في التدارك لأن ظاهرتين تثبتان أن الإقليم كله بدأ يخرج من عنق الزجاجة.
سقوط الأذرع التي تسمي نفسها ممانعة بعد هزيمة إسرائيل عسكريا وسرديا وهزيمة ايران بالتالي لأنهما في العمق متحالفان ولا يختصمان إلا حول تقاسم الإقليم لظنهم أن الأمة قد ماتت ولا أمل في استفاقتها واستئناف دورها.

والتخلص من الأمراض هو فهم علل فشل الحقبة الثانية في المراحل السابقة:

  1. فمحاولة إصلاح تطرف البورقيبية أفشلته الجزائر وليبيا بالتحالف مع عملاء فرنسا في تونس وهم نفسهم الذين اسقطوا مزالي البورقيبيين الذين حاولوا تطبيق الديمقراطية والتصالح مع الإسلاميين.
  2. افشلوا محاولة إصلاح الابن علوية عندما سعت الجزائر هي بدورها للتصالح مع الإسلاميين وإيقاف فتنة الحرب الأهلية وتخلص ابن على من عصابة تجفيف المنابع وغض الطرف عن التشدد مع الرموز الإسلامية في البلاد.
  3. وهم انفسهم قد أفشلوا محاولة التوافق بين الإسلاميين والباجي قائد السبسي فقضوا عليه وعلى كل إمكانية لتحقيق الانتقال الديموقراطي السلس دون حاجة لما صار شبه حرب أهلية في كل الحركات السياسية التي صارت مليشيات أمراء حرب كان رمزها الانتخابات التي أوصلت المنقلب.
  4. وكان هذا الوصول ناتجا عن سوء تقدير مضاعف أوله من قيادات الإسلاميين بحزبيهم إما تحاسدا في ما بينهم أو طمعا في استعمال من تصوروه قريبا منهم تماما كما فعل إسلاميو مصر مع السيسي. والثاني ممن يدعون الحداثة والتقدمية الذين تصوروه سيخلصهم من الإسلاميين فغرق الجميع وهو معهم لأنه لم يجد إلا حثالة الحثالة يبني عليها قصور الرمال.
  5. أما الأمل فهو بشائر ثمرات الطوفان عالميا وثمرات الربيع إقليميا في مركز كل البؤر المؤثرة في تاريخ الإقليم أعني فلسطين والشام.
    فما يحسم حاليا فيهما هو ما سيعم كل الإقليم من الماء إلى الماء.

وطبعا ليس ذلك تفضلا من ترامب ولا من إسرائيل ولا من إيران ولا من العملاء العرب بل لأن الغرب كله بدأ يفهم استحالة تصور نظام العالم القادم من دون دور رئيس لربع الإنسانية الذي هو إسلامي استرد عافيته الروحية وبدأ يبني جديا عافيته المادية.

تلك هي علة تفاؤلي واعتقادي بأن “ظهر البهيم وفا” ولم يعد مفر من الاعتراف بفشل الانقلاب وبأن عهد الطغيان لم يعد مقبولا لا عندنا ولا عند غيرنا لأن نظام التواصل الاجتماعي خلص الشعوب من الإعلام الأجير الذي يتولاهم كل حقير من ضارب البندير.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي

منطق التخادع لا بد منه في الاستراتيجيا

أبو يعرب المرزوقي أحيانا استعمل وصف حكام الأنظمة العربية بالخيانة. وفي هذا الحكم الكثير من …

عبد الرزاق الحاج مسعود

هل تونس معنية فعلا بتحولات/ترتيبات سياسية قادمة وشيكة؟؟؟

عبد الرزاق الحاج مسعود • يتردد حديث عن قرب نهاية ما..، وبداية أخرى بوجوه جديدة!!! …

اترك رد