في المرأة التي تَنكِحُ الرّجَل
سامي براهم
يقول قائلهم لفظ النّكاح فقهيّ قروسطي ذكوريّ يختزل العلاقة الزوجية في الجانب الجنسي… بينما الزّواج في مجلّة الأحول الشّخصيّة لفظ حداثي مساواتيّ يقصد به كلّ أبعاد العلاقة كأنّه لفظ مستحدث !!!
وهو قول جهل بمدلولات اللّغة واصطلاحات الفقه… كلّ زواج شرعيّ يبتدئ بنكاح أي إبرام عقد ولا يصبح النّكاح زواجا مكتملا إلّا بعد البناء أي الجماع… بما يعني أنّ ليس كلّ نكاح زواجا مكتملا… فلا يسمّى الزّواج زواجا إلّا إذا تبع النّكاحَ بناءٌ أي جماعٌ.
ويترتّب عن هذا التّمييز بين النّكاح والزّواج أحكام في العدّة والطّلاق والنّفقة والزّواج بعد الطّلاق ونكاح من غاب عنها زوجها وغيرها من الأحكام… لذلك ورد في سورة الأحزاب قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)… وفي سورة البقرة عن نكاح المتوفّى عنها زوجها “وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ” أي تنتهي عدّتها 235…
ويستوى لغةً لفظ النّكاح في النّساء والرّجال فكلاهما ينطبق عليه مسمّى فعل النّكاح وحكمه “وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ” النّور 32 أي زوّجوهم، وهو خطاب للأولياء والمجتمع لتزويج غير المتزوّجين ذكورا كانوا أو إناثا… فلفظ الإنكاح أي التّزويج ينطبق على كليهما دون تمييز لفظي أو حكميّ… ومعنى استنكح طلبَ الزّواجَ…
ويصحّ لغة عبارة نكحت المرأةُ الرجلَ أي تزوّجته… وإنّما درج الاستعمال على غير ذلك وفق ما تعارف عليه النّاس في كلّ الثّقافات من أنّ المرأة موضوع للطّلب، فهي المحبوبة والمعشوقة والمرغوبة ومن يُتَقرَّب إليها ويُخْطَب ودُّها فتتدلّل وتتمنّع وهي راغبة… والعكس صحيح وإن لم يكن دارجا فقد خطبت السيّدة خديجة نفسها إلى النبيّ الأكرم…
وقد ورد في عدد من كتب الفقه “بَابُ الْمَرْأةِ تَنْكِحُ الرَّجُلَ”…
بل قد ورد في أحد كتب المالكية “مسألة طريفة :
“المرأة تَنْكِحُ الرّجلَ على أن لا يتسرَّر عليْها ولا يَنْكِحَ، وإلّا فأمرُها بيدِها، فيسألُها أن تأذن له فتفعل، فيقيم يطلب النّكاح، ثم تنزعُ فتقول: قد رجعتُ فيما أعطيتك “فلا ينعقد له نِكاحٌ” !!!
عن البيان والتّحصيل لابن رشد الجدّ تـ 520 ه …
خلاصة القول رغم عدم انسجام العبارة مع عرف الاستعمال اللّغويّ والذّوق الدّارج فإنّ “كلّ ناكح هو بالضّرورة من زوجه منكوح”… ومن تكلّم في غير فنّه أو دون بحث أتى بالقول المجروح…