تدوينات عربية

نحن والغرب ومشكلة الأقليات

برهان غليون

ملخص المقالة:
يثير الخطاب الغربي القائم على حماية الأقليات انتقادات واسعة، خاصة في أوساط السوريين الذين يسعون إلى بناء دولة تقوم على مفهوم المواطنة.

مشكلة الأقليات
مشكلة الأقليات

هذا الخطاب يعزز سياسات التقسيم الطائفي بدلاً من تجاوزها، كما حدث في العراق الذي لا يزال يعاني من فوضى طائفية. في المقابل يركز مفهوم المواطنة كبديل: على حقوق الأفراد المدنية والسياسية بعيداً عن الانتماءات الأهلية والطائفية.

الإصرار الغربي على خطاب الأقليات يشكل تهديدًا للروح الوطنية السورية وإحياءً لتقسيم السلطة على أسس طائفية. الفكر القومي الأوروبي، الذي ركز على التجانس الثقافي واللغوي، غذى النزاعات العرقية وأدى إلى مذابح في العديد من المجتمعات. على عكس ذلك، استوعبت اكثر الدول الناشئة ومنها العربية هذا التنوع ضمن نموذج قومي يتبنى التعددية.

زرعت القوى الاستعمارية مفهوم “الأقليات” كما لو كانت جماعات غريبة ودخيلة ومهددة للتجانس القومي وعمّقت الانقسامات الطائفية والجغرافية للتحكم بالمجتمعات المحلية. وهي تمارس ذلك تجاه الجاليات المهاجرة على أراضيها. وبفرضها سياسات الوصاية على المجتمعات بوصفها مجموعة من الأقليات وليست شعوبا (سياسية) حرمت هذه الشعوب من بناء دول وطنية حديثة. وتعمقت مسألة الأقليات مع استخداماتها السياسية أولا من قبل الانتداب الغربي وبعد ذلك من قبل النظم الديكتاتورية. فقد اعتمد نظام الأسد في سوريا على تغذية العصبيات الطائفية لزج المجتمع في صراع أهلي بارد وساخن أحيانا لتكريس الوضع السائد وضرب أي إجماع شعبي ضده ومن اجل التغيير.

والحال لا توجد مجتمعات متجانسة تتشكل من دين واحد أو قومية واحدة. والتنوع هو مصدر للإثراء والقوة. فالمجتمعات التي شهدت حضارات كبرى هي المتعددة أو التعددية ومثالها اليوم الولايات المتحدة مركز الابتكارات والجاذبة للمواهب العالمية، أما المجتمعات الأحادية فهي تلك التي بقيت الى حد كبير ضعيفة التقدم الحضاري بل همجية. التعدد والتنوع كانا السمة الأساسية لمجتمعات الشرق قبل الإسلام وبعده، حيث تعايشت الطوائف الدينية والعرقية بسلام. هذا التنوع كان مصدر ثراء ثقافي واجتماعي، ولم يكن ينظر إلى الآخر المختلف كدخيل. باختصار، التنوع ليس نقمة، بل نعمة يجب استثمارها لتعزيز الإبداع والديناميكية الاجتماعية.

من هنا ضرورة تجاوز خطاب “الأقليات” والأكثريات والتمسك بمفهوم المواطنة. فالشعوب ليست مجرد طوائف وعشائر متصارعة، بل كيانات سياسية تتمتع بثقافة وتاريخ مشترك.

التركيز على المواطنة وحقوق الإنسان هو السبيل لبناء دول قوية ومستقرة.

ولا يوجد حل إلا بوقف التدخل الخارجي: ينبغي على الغرب أن يتوقف عن استغلال الأقليات كأداة لتحقيق مصالحه الاستراتيجية. وعليه أن يترك الشعوب تحل خلافاتها داخلياً وبالطرق السلمية حتى تصل الى توافقات ترضي الجميع ولا تفرض بالقوة. وهذا هو ما يفضي الى بناء دولة المواطنة.

تقوم دولة المواطنة على المساواة السياسية بين الأفراد، بغض النظر عن انتماءاتهم.

هذا النموذج يضمن حرية ممارسة التنوع الديني والثقافي في إطار احترام القانون وحقوق الآخرين.

والخلاصة: المجتمعات لا تزدهر بالخطاب الذي يعزز الانقسامات الطائفية أو يستغلها، بل بالمواطنة والاعتراف بالتنوع الفكري والديني كمصدر قوة. ولا حل إلا في تجاوز مفهوم “الأقليات” واستبداله بمفهوم أوسع يشمل حقوق الإنسان والعدالة للجميع، وهو المواطنة، مع وقف التدخلات الأجنبية التي تهدف إلى تقسيم المجتمعات والسيطرة عليها.

فبصرف النظر عن أقلياتها وأكثرياتها، ما يجمع الشعوب اليوم ويوحّد إرادتها (ويفرقها أيضا) في جميع القارّات ليس عصبية دينية أو أقوامية، إنما تحصيل الحقوق الإنسانية الأساسية: الحرية والعدالة والمساواة والسعادة الأرضية. هذا هو المحرّك الأبرز للأفراد اليوم بصرف النظر عن أديانهم وطوائفهم وقومياتهم. وهو الذي يولّد الفردية المستقلة، ويدفع إلى التحرّر من ضغط الانتماءات التقليدية، في كلّ مكان. وكما يفسّر أيضاً نجاح الأفراد في تجاوز العصبيات الأهلية التي لم يعد أكثرهم يرى فيها خلاصًا من البؤس والعبودية، وإنما بالأحرى قيداً ينتظر فرصة التخلّص منه: إنه هو الذي يولّد إرادة الانتقال إلى الدولة الأمة الحديثة، ويغذّي الروح الوطنية”.

المقالة كاملة

العربي الجديد

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock