فتحي الشوك
كيف لا نفرح لفرحة ذاك الطّفل؟ ومن ذا الّذي يستطيع أن يشكّك في صفاء ضحكة طفل ويستهجن قهقهته؟ لا فائدة في أن نشغل عقلنا كثيرا لنغرق في العقلانية الرّكيكة ونبحث عن معادلات الرّبح والخسارة ومعايير النّصر والهزيمة وإن أردنا فعل ذلك ونحن نتفرّج من وراء الشّاشات على أكبر مأساة في العصر الحديث فلنتأدّب قليلا في حضرة ذاك الطّفل ولنتعلّم من ذاك الطّفل ولنستمع الى ما يقوله ذاك الطّفل ولنشاهد رقصة ذاك الطّفل وكيف يرفع إشارة النّصر.

أهل غزّة
في بقعة صغيرة جدّا من هذه الأرض، في مساحة لم تتجاوز 360 كيلومتر مربّع، كان يوجد قرابة المليون و 68 الف طفل، فقد منهم بعد 467 يوم من الإبادة 17 الف وبترت أعضاء 1500 منهم وتيتّم الآلاف منهم وصارت غالبيّتهم بدون مأوى.
بقعة صغيرة جدّا لا تتجاوز مساحتها أحد أحياء المدن الكبيرة حيث يحشر فيها قرابة المليونين ومائة واثنين وأربعون ألف إنسان، تهافتت عليها كلّ قوى الشرّ ومورس فيها كلّ صنوف الإجرام طيلة 467 يوما، دكّت صباحا مساء بما لو دكّت به إمبراطوريات لانهارت ورفعت الرّايات البيضاء، تفجير، تدمير، إبادة، تهجير وتجويع مع حصار جائر ظالم فاجر من القريب قبل البعيد وتخاذل وتواطئ فاضح من “ذوي القربى” والجيران.
قدّمت قوافل من الشّهداء، أنهارا من الدّموع والدّماء ورسمت أسطورة صمود فريدة جعلت الأعداء يقبلون صاغرين بصفقة يعتبرونها مهينة ومذلّة، لتتحقّق كلمات الملثّم وتتحققّ إحدى أهداف الطّوفان.
وبالمقابل لم تتحقّق أيّة من أهداف العدوان، لم ينجح التهجير وخطّة الجنرالات ولا تحرير الأسرى تحت الضغط ودون مفاوضات وانسحبوا من المعابر الّتي تشبّتوا بالبقاء فيها وبقيت المقاومة كما كانت بل ازدادت قوّة وعنفوانا، لتكون لها الطّلقة الأخيرة والكلمة الأخيرة.
أعظم الانتصارات الّتي تعمّدها التّضحيات والدم، فما بالك بانتصار تحقّق من أوّل يوم انفجر فيه الطّوفان لتكون أيّام الصّمود الّتي تليه تأكيدا لذاك الانتصار وتعميقا لمساره وقطفا لثماره.
هو نصر صريح تكاد صفحات وجوه أهل غزّة تنطق به ونقرؤه في عيونهم ونسمعه في هتافاتهم وصيحاتهم وهي هزيمة نكراء لعالم متوحّش حقير نراها في وجوههم وتصريحاتهم، لكن هل يحقّ لنا أن نشاركهم فرحة نصر لا نستحقّه؟
أيّها الطّفل الصّغير الأكبر من أيّ كبير فينا، يا فخرنا وتاج رؤوسنا، يا من ترفع شارة النّصر وترقص، يا من تيتّمت لأجلنا، وفقدت الكثير من الأحبّة، يا من جعت وتقلّبت بين النّار والصّقيع، يا من صمدت وأكلت الحشيش والدّود بالطّحين، يا من تبتسم بعد أن رأيت الجحيم، هلّا تكرّمت علينا بأن تسمح لنا بالمشاركة في فرحة نصرك العظيم؟
هنيئا لكم سادتي أهل غزّة.
د. محمّد فتحي الشوك
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.