من زوّر إرادة التونسيين؟
سامي براهم
مشهد من أمام أحد مراكز الاقتراع في حيّ شعبي ربّما يجيب عن هذا السّؤال.
سيّدة متقدّمة في السّنّ تقنع سيّدة أخرى… محاورة لافتة تحتاج تحليل خطاب وقراءة نفسية وسوسيولوجيّة عميقة… بعض ممّا تلتقطه من الحديث المطوّل:
“ما حاجتناش بالسّكر والزيت والخبز… ناكلوا الحجر كان لزم… المهمّ شدّ الفاسدين وبالخصوص شيبة جهنّم هو وجماعتو الّي خلّوا البلاد على العظم من السّرقة والنّهبة… بنوا القصورات والعمارات واستغناو على كتاف الزوّالي… إن شاء الله يدوّدوا في الحبوسات…”.
نموذج مختزل من خطاب يعبّر عن سرديّة لم يكن هناك حاجة لترويجها وتوظيفها في الحملة الانتخابية لأنّها راسخة في وجدان عموم أفراد المجتمع على اختلاف مستويات وعيهم وطبقاتهم الاجتماعيّة… وكانت متحكّمة في خيار التّصويت.
السيّدة التي صدر عنها هذا الخطاب لإقناع صاحبتها بالتّصويت لم يستقطبها أحد ولم يدفع لها أحد ولم ينقلها أحد إلى المكتب ولا خلفيّة سياسيّة لها… يبدو أنّها ربّة بيت أو متقاعدة عن العمل… بما يعني توفّر المساحة الزمنية المريحة لمتابعتها للبرامج الإذاعيّة والتلفزيّة… ربّما لا تتابع البرامج السياسيّة ولكن يصلها مضمونها عبر وسائط كثيرة واهمّها دردشات التّواصل المباشر في اللمّات العائليّة وحديث الجارات والأسواق وأمام دكان الحيّ… وطابور الخبز…
أخبار مفبركة وسرديّات محبوكة صنعتها غرف ومخابر سيقت على ألسنة إعلاميين وسياسيين وأشخاص طارئين على الشّأن العامّ وسُوِّقت للعامّة في شكل قصف يوميّ على امتداد ما يزيد من عقد كامل… العديد ممّن سوّقوا لها هم أنفسهم من ارتدّ عليهم المشهد الذي ساهموا في هندسته والدّفع للتمكين له…
لكنّ النكران والإنكار يدفعهم إلى إدانة الشّعب ووصمه بالأميّة وانعدام الوعي الدّيمقراطيّ… يحتجّون على ما آلت إليه الأوضاع في ظلّ انقلاب استفاد إلى العظم ممّا مارسته الطبقة السياسية من شطحات ترذيل للانتقال الدّيمقراطي في أعين المواطنين وتسفيه أيّ فرص لتفعيل حراكه على علّاته وتحويله إلى منجز وطني…
لم يكن المشهد الحالي في حاجة لجهد استثنائي لتحريك النّزعة الغرائزيّة العامّة للتشفّي والسّاديّة والانتقام الانتخابي… كانت بعض القرارات والحركات الاستعراضيّة كفيلة بالتّجييش والتعبئة العامّة… فضلا عن تطويق العمليّة برمّتها تحسّبا لجيوب الوعي التي يمكن أن تتسرّب…
لذلك من زوّروا إرادة التّونسيّين هم من ساهموا في تزييف وعيهم وجعلهم يفضّلون الاستبداد على ديمقراطيّة متعثّرة لكنّها واعدة…