اعتبرونا سيزيفيين يؤجّلون موت هذا الوطن فهاتوا ما يمنحه الحياة!
فتحي الشوك
لو سمحتم… سؤال من فضلكم، أريد أن أوجّهه لبعض الأصدقاء ممّن اختاروا منذ مدّة أو هم بصدد إختيار قرار الانسحاب والجلوس على الرّبوة للاستمتاع بمشاهدة مسرحية العبث والفوضى، ماهي مقاربتكم لمواجهة ما يجري وخطّتكم البديلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
عوض شحذ السكاكين وتجهيز السّياط لجلد من خالف خياركم واعتلاء صخرة سقراط لمخاطبة جمهور تعتبرونه قاصرا، فتشبعونه تقريعا وتأديبا وتذكّرونه بفراستكم ورجاحة عقولكم وكيف كانت المآلات حينما لم تتّبع نصائحكم ووصاياكم، أنيرونا من فضلكم.
أليس من الواضح لكلّ ذي عقل أنّ الطّريق كان مسدودا؟
كيف لمن له عقل أن يعيد التجربة بنفس الأسباب وينتظر أن يتحصّل على نتيجة مختلفة؟
كيف تنتظرون عسلا من مؤخّرات الدّبابير؟
كيف لانقلاب غاشم أن يزال بصندوق وانتخاب؟
كيف لمنقلب على الدستور والقانون أن يحترم الدستور والقانون؟
كيف لمن بلغ بإجرامه حدّ الخيانة العظمى أن يسلّم رقبته وعصابته طواعية وبسهولة للمحاسبة؟
أسئلة منطقيّة ومعقولة في ظروف عاديّة تخضع للمنطق والعقل، لكن في حالتنا الحاليّة أين هو هذا المنطق والعقل؟
ألم ندرك منذ اللّحظة الأولى لليلة النّكبة بأنّه إنقلاب مكتمل الأركان فخرجنا الى الشّارع متأخّرا وقد سبق السّيف العدل، فالانقلابات لا تدحر إلّا في ساعاتها الأولى كما حدث في تركيا أو بوليڤيا حينما واجه رئيسها المنقلب وكان مسنودا من شعبه، في حين وقف شيخ تسعيني أمام باب البرلمان الموصد بدبّابة وكان وحيدا ليصير محلّ تندّر وتنمّر من قبل من هلّلوا لذاك الانقلاب يومها وانقلبوا اليوم عليه بعد أن تذوّقوا مرارته.
ألم نجرّب المقاطعة في الاستفتاء على دستور المنقلب وفي الانتخابات البرلمانية فلم تمنع نسب المشاركة المتدنّية من الاستمرار في التجريف والهدم والعبث بوطن صار مهدّدا في وجوده؟
ألا تعلمون أنّ هؤلاء لا تهمّهم شرعية ولا مشروعية ولا نسب مشاركة وأنّ ما يسعون إليه هو استقالة عامّة من الحياة العامّة؟
من قال أنّ ما يجري هي معركة انتخابية؟
هل ترون أنّ لها أيّة صلة نسب بالانتخابات قبل وصفها بالنزيهة والحرّة والشفّافة؟
إنّ ما يجري من حراك واشتباك ومقاومة، بمشاركة البعض في الترشّح في ظرف صار فيه مكلّفا، وقد يؤدّي بصاحبه إلى السّجن لمجرّد أن طرح نفسه بديلا لمن يعتقد أن لا بديل له!
أو إسناد البعض لهؤلاء في ظلّ مناخ الترهيب والتضييق والملاحقات، وكلّ الجدل الّذي صار يثار في الأماكن العامّة بعد أن تحوّلت لفترة إلى مقابر، وتلك المعارك القانونية الّتي تخاض بالرّغم من أنّها محسومة النّتائج، وبعض الأصوات الّتي صارت تغرّد خارج السّرب ومقالات الرّأي الّتي صارت تكتب عن تونس وأزمتها في الدّاخل والخارج، وعلامات الإرتباك والتخبّط واللّخبطة الّتي صارت سيمة النّظام الانقلابي، هي نتائج مباشرة لهذه المعركة الغير متكافئة والغير تقليدية تماما كطوفان الأقصى!
هي ليست بالمعركة الانتخابية بل هي سياسيّة لإحياء السّياسة ومعركة وعي للحفاظ على بعض مؤشّراته الحيويّة وهي معركة غريق يتشبث بالحياة ومختنق يبحث عن حفنة هواء.
دعوا الشّعرة الّتي تربطنا بهذا الوطن متّصلة ولا تقطعوها؟
دعوا بعض من يهتمّ بالشّأن العام يستمرّ في ذلك ولا تدفعوهم لاعتزاله ليصبح شأنا خاصا يحرّم الخوض فيه وهو ما تسعى إليه كلّ الأنظمة الاستبدادية الكليانية الفاشية!
ليس بعبث أو سقوط في اللّاجدوى ما يتمّ في مواجهة كمّ هذا العبث والفوضى، ليس بالغباء ولا بالسّذاجة وقد سبق أن اتّهم سيزيف بذلك وهو يرى صخرته تتدحرج إلى سفح الجبل كلّما اقترب من القمّة ليعيد الكرّة إلى ما لا نهاية!
كان سيزيف بفعله يقيّد يدي ثاناتوس بالأصفاد ويمنع الموت لفترة.
اعتبرونا سيزيفيين يؤجّلون موت هذا الوطن فهاتوا ما يمنحه الحياة!
لو سمحتم أجيبوني !
د. محمّد فتحي الشوك.