أبو يعرب المرزوقي
شروط الاستئناف: مراكمة الإيجابيات
تبين إذن ان الاستئناف يقتضي أن نشرع في تحرير إرث الخلافة الأموية من كذبة الشعوبية التي ألصقت بها لأن بجلت العرب وطبقت التسامح الديني مع المسيحيين أكثر من كل الأديان الأخرى. لكن ذلك اقتصر على بداية الخلافة الأموية بسبب الحروب الاهلية الخمس التي فرضت على الأمويين الاعتماد على الكفاءات العربية في الشام وهي مسيحية.
لكنها بالتدريج وخاصة بعد تعريب الإدارة وتعلم الفنيين في الإدارة التراسل بالعربية جعلهم يصبحون في نفس الوضعية التي كان عليها مسيحيو الشام. ولولا ذلك لما استطاعت الدولة العباسية ان تستفيد من تعرب جل “المثقفين” في الشعوب التي أسلمت بفضل الفتح وسياسة ضم الأبطال من الشعوب التي تشارك في الفتح كما حدث في غرب الإسلام حيث إن البربر كان لهم دور كبير في فتح الأندلس والكثير من الشعوب الافريقية.
وبذلك فادعاء الخروج عن سياسة القرآن كما فهمها الخلفاء الثلاثة قبل الفتنة لأنها تعاملت مثلهم مع الشعوب التي فتحت ارضها فتحا عاشته الشعوب بوصفه تحريرا من الاستعمار الفارسي والبيزنطي وليس بوصفه استعمارا مثلهما لأن أهل هذه البلدان سرعان ما أصبحت دولا بل وقوى تشارك في الفتح ولولا البربر والافارقة في غرب الإسلام لخسرت الاندلس نصر عمرها ونفس الشيء يمكن قوله عن الإسلام في المشرق إذ لولا الأكراد والأتراك لكان الصليبيون والمغول قد انهوا الحضارة الإسلامية.
ولهذين العلتين فإن المهمة الرئيسية في الاستعداد للاستئناف هو تحرير تاريخ الإسلام من تحريف الخلافة العباسية لجل احداثه واحاديثه التي فرضوها عليه فصاروا جوهر التهديد الداخلي الذي استفاد الاستشراق من احيائه وفتح جروح الماضي بتضخيمها ولعل ابرز دليل اكبر مفتنين في عصرنا أولهما من المسيحية الصليبية (ماسنيون) والثاني من اليهودية الصهيونية (برنار لويس).
كما أن ارث الخلافة العثمانية رغم أهمية دورها في المحافظة على وحدة الإسلام على الأقل في مستوى النخبة الدينية فإن ظاهرتين فيها كانت ضارة لأنها أحدثت نوعا من العنصرين المضاعفة بين شعوب الأمة:
- أولهما هو تفضيل العنصر التركي
- ولثاني هو الاعتماد على تصور للحامية وكأنها دولة في الدولة
وهي الجيش المحترف الذي يربى على العنف الأعمى الذي يتدخل في السياسة ليذل الشعوب ويقوم بالانقلابات على الشرعية السياسية.
فإذا جمعنا بين التحرير من التخريب الداخلي الذي تمثله الباطنية والثقافة الطائفية التي فرضتها صراحة وتقية والتحرير من التخريب البنيوي في عسكرة قوة الدولة بدلا من بقائها كما يريدها عليها الإسلام بوصلها ليست دولة في الدولة بل الشعب كله هو الحامي لذاته و -هو معى الجهاد فرض عين- امكن استعادة شروط القوة أي التخلص من تفتيت الحغرافيا شرط القوة المادية والتخلص من تشتيت التاريخ شرط القوة الروحية.
لكن اهم ثورة حصلت هي التزاوج بين العرب والشعوب التي أسلمت أولا والانفتاح على الحضارات السابقة والمعاصرة وخاصة كفارة تحرير الرقاب التي عمت لتحرير جل العلماء من الشعوب غير العربية وجل الحواصن من النساء الاجنبيات ما نتج عنه ظاهرة عجيبة وهي ان جل الأسر التي حكمت تتحل النسب العربي وحتى النسب الشريف فتم جمع أنواع العصبيات الخمس:
- القبائل
- والموالي
- والأقوام
- والعقائد
- ووحدة الإنسانية.
ذلك أن معادلة العصبية الخفية مطابقة للرؤية القرآنية التي تقدم الرحم الكوني على الرحم الجزئي أولا (النساء 1) والتي تعتبر التعدد العرقي -قبائل وشعوب- من آيات الله شرطا للتعارف معرفة ومعروفا (الحجرات 13) وعلاج ما يمكن أن يعد من الحروب الأهلية رغم كونه لمنعها أي ضرورة التحالف ضد البغاة مع الصلح بعد إنهاء البغي (الحجرات 9) وأخيرا تحييد الدين في العقد الاجتماعي السياسي في الجماعة واستعمال الدولة للأكفاء من الأقليات غير الإسلامية (دستور الرسول).
وهذه العوامل هي التي حافظت على حضارة الإسلام إذ بذلك تجاوزت مفهوم الإمبراطورية إلى نوع جديد من الدولة الكونية التي تمثل نوع من المصهر الكوني المحقق لوحدة الإنسانية بفضل ثورتي الدولة الأموية أي سياسة الفتح وتعريب أداة التواصل وأداة التبادل في كل دار الإسلام بحيث إن ما ثبت في كل تاريخ الأمة هو بقاء وحدة لسان النظر والعقد ولسان العمل والشرع بالنسبة إلى كل الشعوب التي أسلمت دون أن تقتل اللغات الجزئية الخاصة بها فصار كل مسلم مطالب بتعلم لغتين هما لغته الجزئية واللغة الكلية الجامعة ودون ان تقتل عادات التعامل بالمقايضة الخاص بكل ثقافة مع وحدة العملة وشروط تبادل النساء.
فقلبها الأقوام
وجناحاها الأول والأخير من طبيعة واحدة
والثاني والربع من طبيعة واحدة.
فالقبيلة والإنسانية من طبيعة واحدة قرآنيا لأن البشرية من نفس واحدة ومن ثم فهذا هو الرحم الأصلي ومنه تتمايز الأرحام الجزئية. والولاء من طبيعة واحدة فهو إما لعلة ظاهرة هي المنفعة المادية أو ظاهرة باطنة هي المنعة الروحية.
وبذلك فالثانية والرابعة هما الوصل الذي يذكر بالطبيعة العلاقة المادية والروحية في مفهوم الأمة الكلية أو الرحم الكلي هو خاصيتا الإنسان في علاقته بعالمين هما عالم الشهادة الذي يقدم فيه قيم الاستعمار في الأرض أي المصالح المادية وعالم الغيب الذي يقدم فيه قيم الاستخلاف فيها أي المصالح الروحية.