في “كوميديا” تعريف الصحفي
كمال الشارني
أولا، الصحافة عمل صناعي وليس مفتوحا للفتوى لأنه معرف ومحمي بالقانون، ليس فقط بامتلاك بطاقة احتراف نظامية، بل بالاتفاقية المشتركة لقانون الشغل في ملحقها الأول في تعريف الأعمال الصحفية وتوابعها ثم الفصل السابع من المرسوم 115، والاتفاقية المشتركة تعرف الصحفي المحرر بأنه من ينتج الأجناس الصحفية الصناعية: “التقرير، النقل، الاستجواب أو التعليق”.
ورغم أن هذا التعريف الصناعي العالمي كان موضوع نقاش لعدم دقته فقد اتفقت المهنة على أن الأجناس الصحفية الصناعية هي: الخبر (النقل)، التقرير (الريبورتاج)، الحوار، التحقيق، التحليل (ليس التعليق الذي هو رأي وفي متناول المختصين أو أي شخص يملك زاوية نظر من غير الصحفيين الذين لا يمكنهم الجمع بين الخبر والتعليق).
وحيثما ذهبت في العالم من بنغلاديش إلى كندا مرورا بمدغشقر فسوف تجد أنهم يدرسونها بنفس الطريقة ويطلقون عليها نفس الأسماء تقريبا، لما يذهب صحفي تونسي للعمل في صحيفة أو تلفزة في اليابان ويقترح عليهم موضوعا، سوف يقول له رئيس التحرير “هذا لم يعد يصلح خبرا، يجب أن يكون حوارا” أو: “ما تملكه من معلومات ممتاز لكنه يصلح تحليلا”، في التحليل مثلا: أنت جمعت معلومات كثيرة ضافية من مصادر مختلفة، تعجنها وفق منهجية صناعية تولد منها معلومات جديدة تصلح لأن تكون خبرا في حد ذاتها، ويجب أن يفهم الصحفي فورا حجم العمل ومواصفاته وحتى توقيت تقديمه.
أما إذا كان صاحبنا لا يعرف مواصفات هذه الأجناس ولم يمارس أيا منها، فعليه أن يعود، وفق القانون إلى مرتبة ملحق بالتحرير إلى أن يتعلمها مع من يعرفهم القانون بأنهم “أعوان محرزون على ديبلوم من التعليم الثانوي أو تجربة مهنية لا تقل عن خمس سنوات في الصنف المتخصص” لم يقل أستاذية ولا إجازة ولا اختصاص صحافة، من هناك، إلى أن يصبح شذاذ الآفاق ومن لا يفرقون بين الخبر والتعليق أو الرأي الخاص وممن فشلوا في مهنهم الأصلية، هم الذين يعرفون مهنة الصحافة، فهي كوميديا سوداء.
“ماهو أنا” أعرف زميلا قديما جدا في المهنة، له بطاقة احتراف ومنخرط في النقابة وحاصل على الأستاذية أو ما يقابلها من سوريا الشقيقة في اختصاص، الحق لا أعرفه، لكنه يعتقد أن الصحافة موهبة فقط لأمثاله، ربما لأنه لم يدرس مادة صحافة الوكالة مثلا لكي يفتح عينيه على كفاءة العمل الصناعي المختص، وهكذا ظل كل حياته يكتب “خواطر تسر الخاطر” مساهما في الرداءة العامة.
أعرف أيضا “صحفيين” خريجي معهد الصحافة يخصصون الوقت الأكبر للسمسرة في كل ما يتحرك، “حوكي وحرايري” وحارس مبنى ومكلف بالإعلام وبالإشهار والوساطة، لا هم يمثلون نمل الصحافة في عملهم اليومي ولا خطاياهم تبرر إنكار الاختصاص الصناعي والتعويل على كل من فشل في مهنته الأصلية لتعويضهم.
وين المشكل الحقيقي؟ لو تقرر الدولة أن تطبق القانون على مؤسسات الإعلام في تونس، فسوف تغلق أغلبها، سواء في الجباية أو المجال الاجتماعي أو الحد الأدنى من قانون الشغل حيث أغلبها لا يعنى بالتفصيل بين الصحفي أو المنتج أو وgarçon de plateau الذي يجلب الماء لضيوف الحصة.