مقالات

ذكرى هزيمة 1967 ونصر 7 أكتوبر… عندما تتغيّر عقيدة القتال

سليم حكيمي

لم يفكر اليهود في الاستقرار في فلسطين إلا بعد سحق العرب عام 67. فقد ظلوا مرتعبين من مقاومة شرسة واجهتهم بعد نكبة 48. وعوَض الثأر والوِتر حتّى يعود العربي نَاقِع القلب مَبرود الغليل، جاءت هزيمة أخرى مأساوية.

جمال عبد الناصر هزيمة 1967
جمال عبد الناصر هزيمة 1967

سأعتمد شهادات من شيعة عبد النّاصر قبل عدوّه. فأبْيَن ما قاله وزير حربيته “شمس بدران” في مذكراته: كيف يعقل أن تُضرب الطائرات المصرية في المطارات في حرب 1956 ثم تبقى مكشوفة في العراء ثانية في حرب 1967. وشهد “حسين الشافعي” أحد أركان حكمه بان سبب الهزيمة كان الصراع على السلطة بين راسي النظام الرئيس عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر. غباء الأيديولوجية العلمانية القائدة التي سخرت من طاقات مصر الحقيقية وسلّمت العِلم بيد جهلة العسكر وطبقت وصفة التخلّف القاتلة: الولاء قبل الكفاءة. فبسبب انتمائه لتنظيم الضباط الأحرار في انقلاب 1952، تدرّج عامر في الرّتب بسرعة، فارتقى سنة 1953 من صاغْ (رائد) إلى لِواء و لا يزال في سن 34 متخطيّا ثلاثَ رتب، وأصبح القائد العام للقوات المسلحة، وعين سنة 1954 وزيراً للحربية ورُقي الى رتبة فريق، ورغم إخفاقه في معارك سيناء والسويس بعد الوحدة مع سوريا، حاز رتبة مشير سنة 1958، وصار القائد الأعلى للقوات، وفي سنة 1964صار نائب الرئيس.

الى الذين يرددون أن السياسة بالنتائج، فقد انتصرت إسرائيل على ثلاث دول عربية، وإسرائيل 70 كم مربّع من مساحة فلسطين: الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس وسيناء، أي 300 بالمائة مما احتلته بعد حرب 48، وقتلت 25 الف، وجرحت 50 ألفا، وأسرت 6 آلاف جندي، بعد أن أرسلوا للحرب بالجلاّبيب دون تدريب في رَمضاء الصّحراء بلا سلاح، وهو ما ورد في كتاب “مذبحة الأبرياء 5 يونيو” للكاتب النّاصري “وجيه أبو ذكرى”، بينما لم يُؤسر من اليهود سوى 15 ولم يقتل منهم سوى 779.

دولة الشعارات القومجية الجوفاء التي جمعت صواريخ “القاهر” و”الظافر” وتبرك بها السذج ظنا منه أنها مليئة بالمتفجرات، قمعت المعارضين السياسيين بدل الفاسدين، فأخفقت في ثلاث: مشروع الوحدة العربية، ومعركة التنمية، ومواجهة العدو الخارجي. بل لم تقدر على الحفاظ على الموجود من الأرض.. ولم يكتفوا بالهزيمة وبينما كان الكيان يغتصب الأرض كان إعلام الإفك وصحافة حَسنين هِيكَل الصفراء تردد “قواتنا تتوغل في ارض العدو”… وقادرة على معرفة ما يجري في مَخدع “غولدماير” نفسها.

بينما لم تحر الصهيونية جوابا لثلّة صابرة بلا عتاد تدرع بالأرض. وعَد السّنوار سنة 2018 أن حماس ستجتاز الحدود وتقلع قلوب الإسرائيليين من أجسادهم، ولم ير الكيان في قوله سوى رغبة في زرع الخوف. فنَقضوا ما أُبرم وأبرموا ما نُقض من حق في “أوسلو” لقضية يموت كبارها ولا ينسى صغارها، عكس ما زعَمت “غولد مايير” عن الفلسطينيين..

فرق بين الصّراع على السلطة والصّراع على الشهادة، بين مرابطات الأقصى، وراقصات العسكر وعشيقاته.. “برلنتي عبد الحميد” والخَمر والزّمر قال أحمد فؤاد نجم: “حيونات استهلاكيّة بَسْ البرَكة في النَّياشين،..

فبينما طبّق عبد الناصر تعليمات الرئيس الأمريكي “جونسون” بعدم بدء الحرب حتى باغت الصهاينة كل القوة الجوية في مرابضها وأنهتها في حرب ست ساعات خاطفة لم تعرفها وَقْعة. رفضت حركة المقاومة الإسلامية ما سَطَره الأمريكان في “أوسلو و”تحدّى الإيمان سور الطغيان فباغت العدوّ في مكمنه يوم 7 أكتوبر كسَبْع جريء على الصّيد.

هزمت إسرائيل مصر التي كانت تملك أكبر قوة جوية في المنطقة، وعجزت على دحر ثلة من حماس. في 67 أعادت إسرائيل العرب الى وعي الهزيمة، وتكفل الصهاينة العرب بفرض هزيمة الوعي وذلك بتجديد الثقة في المنهزمين ومرددي الشعارات الشعبوية وأوهام الإنقاذ..

كل ما تتجرّعه غزة هو بسبب أبطال هزيمة 67. وعوض التكفير عن الدنب ابتهج التيار القومي واليساري بعودة العسكر لحكم مصر. فمزال “بلينكون” يحلم باجتثاث الإخوان وحماس وتخليص الدول العربية المعتدلة منهما.. غير أن الفكرة تصير قوة حين تستحوذ على الجماهير، وهو ما نراه في قلوب الملايين في العالم، ففلسطين صارت فكرة… ولم تعد مجرّد أرض. وإن كانت إسرائيل نارا فقد لاقَت إِعصارا.. “ولا تحسبنَّ المجد زقّا وقينة فما المجد إلا السَّيف والفَتكة البِكر”.. فقد عوّض لِثام الجهاد نَياشين الوَهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock