تدوينات تونسية

قصة الثعلب والحمار: أوهام الشعب والشعبوية

سليم حكيمي 

يحكى أنه جاع ﺍﻷﺳﺪ يوما ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻠﺜﻌﻠﺐ : ﺃﺣﻀﺮ ﻟﻲ ﻃﻌﺎﻣًﺎ ﻭﺇﻻ ﺃﻛﻠﺘﻚ ! فذهب الثعلب ﻳﺒﺤﺚ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺟﺪ حمارا، ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻷﺳﺪ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﻐﺎﺑﺔ، ﻓﺎﺫﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﺘﻰٰ ﺗﺘﻘﺮﺏَ ﻣﻨﻪ. ﺗﻌﺠّﺐ ﺍﻟﺤﻤار!. ﻭﺃﺧﺬ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻤﻨﺼﺐ المُنتظر. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻞ، ﺿﺮﺑﻪ ﺍﻷﺳﺪ ﻋﻠﻰٰ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻘﻄﻊ ﺃﺫﻧﻴﻪ، ﻓﻔﺮ ﻫﺎﺭﺑًﺎ حينها ﻗﺎﻝ ﺍﻷﺳﺪ ﻏﺎﺿﺒًﺎ: ﺃﺣﻀﺮ ﻟﻲ اﻟﺤﻤﺎﺭ ﻭﺇﻻّ ﺃﻛﻠﺘﻚ!. ﻓﺬﻫﺐ ﺇﻟيه ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻛﻴﻒ ﺗﺘﺮﻙ ﻣﺠﻠﺲ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ، ﻭﺗﻀﻴﻊ ﻋﻠﻰٰ ﻧﻔﺴﻚ ﻤﻨﺼبا؟ ﻗﺎﻝ: ﺣﻴﻠﺘﻚ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ. ﻟﻘﺪ ﺿﺮﺑﻨﻲ ﻋﻠﻰٰ ﺭﺃﺳﻲ ﺿﺮﺑﺔً ﺃﻃﺎﺭﺕ ﺃﺫﻧﻲ!. ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺜﻌﻠﺐ: ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻄﻴﺮ ﺃﺫﻧﺎﻙ ﺣﺘﻰٰ ﻳﻀﻊ ﻋﻠﻰٰ ﺭﺃﺳﻚ ﺍﻟﺘﺎﺝ !. ﻓﻘﺎﻝ: ﻫٰﺬﺍ ﻛﻼﻡ ﻣﻌﻘﻮﻝ!. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺪ، ﻫﺠﻢ ﻋﻠﻴﻪ كرّة أخرى ﻭﻗﻄﻊ ﺫﻳﻠﻪ، ﻓولىّ ﻫﺎﺭﺑا. ﻓﻘﺎﻝ اﻷﺳﺪ ﻟﻠﺜﻌﻠﺐ؛ ﺃﺣﻀﺮ ﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻤﺎﺍﺍﺍﺍﺍﺭ ﻓﺬﻫﺐ ﺍﻟﺜﻌﻠﺐ ﺇﻟيه مكرها ﻭﻗﺎل: لقد لاقيت منك رَهقا !. ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻔﺮّ ﺩﺍﺋﻤًﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺪ.؟! ﻓﻘﺎﻝ: ﻟﻘﺪ ﻗﻄﻊ ﺫﻳﻠﻲ ﻭﺃﺫﻧَﻲَّ ﻭﺃﻧﺖ ﻣﺎ ﺯﻟﺖ ﺗﺼﺮ على مكرك ؟ فقال: ﻭﻛﻴﻒ ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﻰٰ ﻛﺮﺳﻲ ﺍﻟﻤُﻠﻚ ﻭﻟَﻚ ﺫﻳﻞ ؟! ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ: ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻡ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻭﺻِﺪﻕ !. ﻓﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰٰ ﺍﻷﺳﺪ ﺛﺎﻟﺜﺔ، ﻭلكنها كانت القاضية، إذ وثب ﻋﻠيه ﻭﻗﻄﻊ ﺭﻗﺒﺘﻪ !. ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻠﺜﻌﻠﺐ: ﺧُﺬه ﻭﺍﺗﻴﻨﻲ ﺑﺎﻟﻤﺦ ﻭﺍﻟﻜﺒﺪ ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ !. ﺫﻫﺐ ﺍﻟﺜﻌﻠﺐ ﻭﺃﻛﻞ ﺍﻟﻤﺦّ، ولم يأت إليه سوى بالكبد ﻭﺍﻟﻘﻠﺐ. ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﻳﻦ ﺍﻟﻤﺦّ؟ ! ﻓﻘﺎﻝ: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻣﺦّ ﻣﺎ ﻋﺎﺩ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﻄﻌﺖ ﺫﻳﻠﻪ ﻭﺃﺫﻧﻴﻪ !.

حين تجتمع أوهام شعبوية في الإنقاذ لبلد على شفا جرف إفلاس وتعويل على الذات دون ثقافة عمل دمرتها النقابات، مما يعني تحول التونسي إلى ياباني بين ضحوة. وعشوة، أو بورجوازية وطنية بل عائلات ناهبة للاقتصاد، وبيروقراطية فاسدة أوصلته الى تداين بلغ 110 مليار دينار، وحين يعتقد شعب إنّ ما عجزت عنه الدّيمقراطية سيتجاوزه الاستبداد، وان إيقاف سياسييّن لا علاقة لهم بفساد الاقتصاد سينقذ تونس من طوابير السّكر والزيت وحتى علف الماشية، وان الفرد المُلهم قادر على المعجزات (حديث سعيد عن اكتفاء ذاتي في الحبوب دون تطوير بذور وفي سنة جفاف، و3.5 دينار مقابل اليورو) علينا أن نستبين أن التضليل المستمر للفهم وتزوير الوَعي بلغ شأوا بعيدا.

الشّعبوية طريقة وصول الى الحكم وليست وسيلة حكم، وهنا مربط الفرس مأزقها لأنها تصير مثل دواء انتهت صلاحيته واستحال داء وسُما زعافا. خطرها كامن في عملها على تصادم الشعب مع نخبته وتأليبها عليه، ومن من هنا رَيثُها في الالتحام بطبقة سياسية إصلاحية بدت منتبذة عن مجتمع الناس. ففي الهزيع الأخير من حكم بن علي، استقر الوعي على أن ذهابه يعني ذهاب المافيا أما رحيل سعيّد في نظر الناس فان فيه عودة لطبقة سياسية فاشلة أيضا، فلا أمل في هذا ولا في ذاك، ومن هنا جاءت ورطة الوعي التي لم يرسمها سوى إعلام إفك وفِرية نجح في تسويق الوهم.

نجى الله بني إسرائيل من فرعون فعبدوا العجل. وخلص التونسيون نجيّا من الاستبداد فضلل الإعلام وعيهم، وانتهى بفرض استبداد مُجرّب الوَقْع، بل الأنكى فخر الكثير بالجهل السّياسي وازدراء السياسة، وهو أسوأ أنواع الأميّة كما قال الكاتب “برتلود بريخت”، إذ انهم لا يعلمون أن كل جزء من حياتهم، قوتهم وخبزهم وعجينهم وداؤهم ودواؤهم.. وقلة أمانهم وامنهم من جريمة وفساد وفقر ومسغبة يحدّده القرار السياسي فقط. تحيلك القصة على قوله تعالى “لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السّعير”. والتخلف هو عيش الضّنك في سعير الدنيا والأسعار.

في السياسة البطشة الكبرى، وعليك أن لا تختار موقعك بين الأسد والثعلب والحمار، بين الضحيّة والفَريسة، بل بين “لست بالخِبّ ولا الخِبّ يخدعني” كما قال عمر، حتى لا تنتهي بين مطرقة الشّيعة وسندان الشيوعيّة.

كاتب صحفي – تونس

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock