تدوينات تونسية

اتهام السياسيين بخيانة الشعبين

كمال الشارني 

زميلة وصديقة أعزها كثيرا نشرت: “إنطلاق أول قطار تجربة فنية من عنابة الجزائرية إلى تونس العاصمة”، وأنا قرأت هذا الخبر أكثر من عشر مرات منذ عشر سنوات، وأرى أنه بعيد عن الدقة والتوضيح، أولا لأن الذهاب إلى تونس من الجزائر من عنابة يتطلب المرور عبر البوحجار 140 كم في ثلاث ساعات مضنية، الأفضل الربط مع سوق أهراس، 68 كم في ساعة ونصف،

خط السكة الحديدية الجزائر- تونس
قطار الجزائر تونس

ورغم ذلك، فأحب أن أتذكر لكم مشهدا من الثمانينات عندما كان قطار إرنست غوان “المستعمر الفرنسي البغيض” منذ 1900 يمر عبر غار الدماء نحو ولاية الطارف ليربط مع الخط الحديدي لسوق أهراس وقالمة، في الجانب الجزائري كان الأشقاء الدزيرية، دون أي عقد أو ارتشاء من الديوانة، ينادون تحت نوافذ القطار “قرعة موناضة بدينار” (دينار جزائري وقتها بأربعين مليما، القرعة هي القارورة والموناضة هي القازوزة، وهي من أردأ ما يمكن أن تشربه في حياتك وقتها).

وكان التوانسة يهربون إلى الجزائر الشامية ومصبرات الطماطم والهريسة والكوكا كولا المعتبرة وقتها في الجزائر إنتاجا إمبرياليا شريرا، وفي المقابل، يهرب الجزائريون إلينا ماعون الإينوكس النقي والبطاريات، وفي سنوات الثمانين أيضا، كنا في ساقية سيدي يوسف نختلط تونسيين وجزائريين في زردة سيدي يوسف، دون أن نثير خوف أحد من شرطة الحدود من الجانبين حتى جاء أولاد الحرام.

غير أن النظام العربي حسمها مع أول رحلة برية نظامية من تونس العاصمة إلى القاهرة، توقفت الرحلة بنسائها ورجالها في صحراء بوابة السلوم بين ليبيا ومصر طيلة ست ساعات للتثبت في هويات المسافرين المسجلة والمدققة قبل ذلك بأسبوع، تبولت النساء في الطريق العام بسبب التوجس العربي من الحدود يا نور الدين يا خويا.

ما يزال الجزائريون يحبون الهريسة والطماطم التونسية والشامية ويحبون التونسيين عموما، أتحدث عن شهادة من يعرف الجزائر حتى عمق الأوراس والعاصمة الرومانية تيمغاد، وشمالا حيث بعض أهلي في القبايل من سطيف حتى جيجل، كان جدي من أمي يقول لي بالشلحة القبايلية وأنا طفل: “سي لوا سيسيلبان”، وبعد أكثر من أربعين عاما من البحث، ترجمها لي صديق قبايلي من بجاية بأنها تعني “أبعد من قدامي يا كارع”، ما كان جدي القبايلي ليقول لي ذلك، وما كان جزائري ليقول ذلك لتونسي ولا حتى لمغربي، رغم حدة الإخوة الجزائريين فأنا أفضل اتهام الترجمة بالخيانة، واتهام السياسيين بخيانة الشعبين.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock