تعبير وتفكير
نور الدين الغيلوفي
- أنتم ما تعرفوش تفكرو، فكروا ومن بعد عبروا؟
- وكيفاش نفكرو من غير ما نعبرو؟ ماهو يلزمنا نجربو نفكرو ونغلطو ونصححو حتّى يستقيم لنا التفكير.. على خاطر رانا بشر كيفنا كيف غيرنا.. التلميذ في المدرسة يتعلّم يعبّر وكي يغلط نصلحوه ونأخذ بيده ونساعده.. ولا نقول له أنت اسكت على خاطرك ما تعرفش تفكّر.. احسبونا تلامذة يا أخي.
نحن نخطئ ونصيب مثلنا مثل غيرنا.. إلّا أن يكون غيرنا معصوما.. ولا نظنّ أحدا يدّعي أنّه معصوم. الواحد يتطوّر وأحواله تتبدّل.. ولا يعرف ذلك إلّا إذا أتيح له التعبير.. على خاطر ما ثمّاش تفكير من غير تعبير.. والتعبير حين يكون من دون تفكير يكون هذيانا، والهذيان لا يخيف بل يضرّ بصاحبه. فعلاش خايفين من التعبير؟
ثمّ، من هي الجهة التي تمنح إجازة التفكير للناس لتمكّنهم من حرية التعبير؟
من الذي يملك المسطرة والميزان؟
الحرية راهي معطى إلاهي.. والله تعالى حكى لنا قرآنُه حواراتٍ مع إبليس. إبليس قال له أنظرني فأنظره:
(( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:36-40] ))
الله أعطى إبليس ما طلب رغم أنّه كشف عن برنامجه، بل مكّنه من الحياة حتى يوم البعث، وكتب الموت على الإنسان الذي أسجد ملائكته له.
الحرية التي أعطاها الله إبليس كيف نسلبها من الإنسان فنخصم من عمره المحدود بدعوى أنّ الذي لا يحسن التفكير كما يراد له لا كما يريد هو ليس له حرية التعبير ؟
لا أحد في الدنيا يملك الحقَّ المطلق في الفكر المطلق، ولا أحد يحتكر، وحده، حرية التعبير ويمنع منها غيره ولو كان هذا الغير في مقام إبليس.
التضييق على الناس فيه تغيير لخلق الله واعتداء على عطاء الله واحتكار لأسمائه… الله وحده هو الذي يعطي ويمنع.
لماذا نريد أن نحتلّ مكان الله لنجعل من يخالفنا إبليس.. ونمنع عن إبليس ما مكّنه الله منه؟