مقالات

بعد أن “حط” معرض الكتاب أوزاره

(جملة رومانية مفتعلة للاستفزاز)

كمال الشارني 

من واجبنا أن يكتب كل منا خلاصته، من ناحيتي أعتبر أن 80% مما تابعته عن المعرض سواء في الواقع أو وسائل الاتصال والتواصل يدخل في إطار “شفتوني وأنا اشتري الكتب؟ أو شفتوني وأنا مع جمهوري؟ كل هذا جمهوري يموت عليّ لأني مهم؟” يعني البحث عن الوجاهة، حيث المعرض مناسبة اجتماعية للظهور أكثر منها للمعرفة أو طرح الأسئلة حتى عن دور الأدب والكتاب الورقي أصلا وخصوصا المقارنة مع معارض في مجتمعات أخرى، فيما الدور الوحيد للكاتب هو أن يكتب نصوصا جيدة وليس أن يدافع عنها أو يمدحها عند الجمهور.

معرض الكتاب
معرض الكتاب

لم أحضر ندوات كثيرة وما حضرته كان مملا جدا وحديث مجاملات بين أصدقاء كان يمكن دعوتهم إلى مشربة المعرض من أجل حديث أكثر حميمية بلا مضخمات صوت وكلفة أقل، أقل من عشرة أشخاص أمام منصة فيها أربعة أشخاص لا أحد يعرف لم هم هناك، “ورّقت” ما لا يحصى من الكتب وخصوصا الروايات، معتمدا على ملكة القراءة العمودية. للأسف، لم أعثر في الأدب العربي الحديث على نص يشد الاهتمام لأكثر من الصبر على عشر صفحات، على شخص خلقه الله لسحر السرد، ما يثير الحنق هي روايات عربية وخصوصا تونسية بعناوين شخصيات وأماكن أوروبية، هل هو بحث عن قبول هناك في سوق الترجمة الغامض؟ هل هم كتاب أجانب مقيمون معنا على سفر فلم يجدوا في مجتمعاتنا ما يستحق أن يكون رواية؟

المهم: الغائب الصارخ هي المؤسسة التربوية، المعلمون والأساتذة وتلاميذهم، حيث تصنع الذائقة الأدبية وتصقل ملكة القراءة، حيث تذكرت فيلما أمريكيا رائعا: Le Cercle des poètes disparus وحضور التلاميذ مع أساتذتهم بدعم من المدارس هو الحل الوحيد لإنقاذ الثقافة في تونس ضد الأدب المدرسي البائس منذ النصوص الكئيبة والروايات التعيسة الإجبارية في نظام التعليم، أنا يؤلمني احتفالهم بمعرض الكتاب في بلد تؤول فيه الكتابة إلى الزوال أمام أنظار الجميع، يعني العزوزة هازها الواد، وهي…

الأسعار الفاحشة للكتب في تونس

أغراني أصدقاء بكتابة نص عن الأسعار الفاحشة للكتب في تونس حين كتبت أستاذة تعليقا على غياب دور الأساتذة والمربين عن معرض الكتاب: “اذا كان ثمن الرواية التي يتمنى تلميذي شراءها 45 د كيف سأقنعه بمواصلة الشغف؟”،

هذا ذكرني ببعض رحلاتي إلى القاهرة وبالكتب التي تباع على الرصيف في مصر في نسخ شعبية تتراوح أسعارها بين 5 و10 جنيهات وقتها، يعني أقل من دينارين وقتها أيضا، وهي نسخ رديئة لا تغني عن النسخ الفاخرة المخصصة للمكتبات والشخصيات ذات المال ولا عن مكتبة مدبولي التي تحولت إلى تراث مصري عربي، المهم أن يقرأ الشعب وأن أتفاجأ أنا كل صباح بتقليد انقرض في تونس: بائع الصحف على الرصيف يدق باب غرفتي في النزل في شارع 26 يوليو مع أربع صحف وعشرة كتب لكي أدفع ثمن ما أريد وأعيد له الباقي.

عندهم أيضا ما يبدو أنه أكبر مكتبة شعبية في العالم: مكتبات سور الأزبكية على مدى البصر، كتب مستعملة وجديدة بنصف أو ربع ثمنها، المهم أن تقرأ، شيء مثير للذهول في حجمه ومحتواه، أما عندنا، فعدد الناشرين أكبر من عدد الكتاب، وأكثر الكتاب ذكاء يتحولون إلى ناشرين لأن الناشر في تونس هو “وسيط طباعة وبرا” يطلب منك أساسا ثمن الطباعة، لتدخل معه في الخسارة وتخرج من الربح وهو ما رفضته بكل قوة وقبلت العمل وفق قانون حقوق الملكية الذي جعلتي أحصل على 460 دينارا وبضعة عشرات من النسخ عن كتاب أحباب الله و600 دينار وأيضا بضعة عشرات من النسخ عن كتاب “كاليتيم على آخر بيت مضاء” وفي كلا الحالتين، حصلت على أقل من ثمن أي عمل صحفي أبيعه إلى صحف الخليج أو قنواتها التلفزية،

ثم، الكثير من الناشرين يعتاشون من شراءات وزارة الثقافة ودعمها للورق ورحلاتها إلى المعارض الدولية، دون أي اعتبار لقيمة المحتوى، فيعملون على الرفع في كلفة الكتاب للرفع في قيمة الدعم، لا يهمهم القارئ العادي، “‘بوشلاكة” الذين لا يقدر على كتاب بأكثر من عشرة دنانير مثلا، وهو شيء ممكن تقنيا بالطباعة على ورق الصحف الذي صنع مجد القراءة في أوروبا وجعلها شعبية في متناول الطلبة والعمال زمن طبعات كتب الجيب التي وصلتنا عبر كتب عبير السخيفة ونشرات أقل من أمهات الكتب المترجمة، لكنها كانت في متناول جيوبنا، وهو الهدف الأهم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock