حماس.. إيران.. تاريخ العلاقة باختصار..
نصر الدين السويلمي
مرّت العلاقة بين حماس وإيران بخمس محطّات مهمّة، أوّلها في العام 1992 حين أبعد الكيان قيادات الحركة إلى مرج الزهور، هناك وعبر حزب الله تواصلت إيران بكثافة مع المبعدين وتبنّت قضيّتهم وعرضت المساعدة. قبل ذلك كانت الحركة التي تأسّست بشكل رسمي العام 1987 دعيت في سنة 1990 إلى إيران للمشاركة في مؤتمر طهران لدعم الانتفاضة، المشاركة التي مهّدت الطريق لفتح مكتب تمثيل دبلوماسي لحماس في طهران العام 1992.
أمّا المحطّة الثانية فكانت في العام 1998، تاريخ زيارة الشيخ أحمد ياسين إلى إيران واستقباله من طرف المرشد الأعلى آية الله خامنئي، والرئيس الإيراني محمّد خاتمي. تلك هي الزيارة المفصلية التي تمّ الاتفاق فيها بين ياسين وخامنئي على تقديم الدعم السياسي والمالي، وتكنولوجيا التصنيع العسكري، إلى جانب التدريب العسكري للكوادر والمقاتلين.
أمّا المحطّة الثالثة فجاءت بعد فوز حماس بانتخابات 2006، هناك قرّرت طهران ترقية علاقتها مع حماس كحركة نضال وكبوّابة إقليميّة يحتاجها المشروع الإيراني بطبعه الإقليمي. وكحاجة إيرانيّة ملحّة لعلاقة شعبيّة إسلاميّة عربيّة أمام أنظمة عربيّة علمانيّة معادية للثورة الإيرانيّة. كما تعهَّدت بتقديم 50 مليون دولار شهريا لحكومة إسماعيل هنيّة. وزاد التحام حماس بإيران بعد حصارها من الغرب والأنظمة العربيّة إثر فشل انقلاب دحلان الذي قاده في القطاع، هناك أصبحت طهران الرئة الأهمّ للحركة.
رابع المحطّات كانت في العام 2012 حين انحازت حماس إلى الثورة السوريّة، وتراجعت العلاقة بين غزّة وطهران إلى أدنى مستوياتها، حينها رأت إيران أنّ الحركة طعنتها، ورات حماس أنها وبعد الثورات العربيّة وجدت عمقها التاريخي الجيني المتجانس مع قناعاتها العميقة، كما شعرت أنّ علاقة القواسم المشتركة مع إيران أصبحت عبئا بعد أن طلبت طهران من الحركة الوقوف إلى جانب بشّار الأسد ضدّ الثورة السوريّة كعربون وفاء لما قدّمته لها.
وفي العام 2017 كانت المحطّة الخامسة التي عادت فيها العلاقات إلى عنفوانها، وتعاظم فيها الدعم الإيراني للمقاومة، عجّل سقوط الأنظمة العربيّة المنتخبة وخاصّة مرسي والإخوان بعودة حماس إلى إيران، كما سرّع في عودة العلاقات على ذروتها حصار الرباعي “بن زايد وبن سلمان والسيسي وبن عيسى” لقطر، والسعي العربي لتصنيف حماس كحركة إرهابيّة وقيادة محمّد بن زايد لحلف عربي كانت مهمّته اجتثاث الحركة الإسلاميّة من المنطقة.
منذ ثورتها راهنت إيران على أسلمة الفعل الثوري وعداء الصهيونيّة لتتمدّد داخل الشعوب الإسلاميّة والعربيّة خاصّة، وقدّمت نفسها كعدو “حلال” للإمبرياليّة الغربيّة بدل الشيوعيّة العدو “الحرام” الذي تستنكف الثوريّة الدينيّة العربيّة أو المحافظة من التعامل أو التفاعل أو حتى التقاطع معه. تنفر إيران من الفكرة الإسلاميّة الجامعة، وكمثال لا ترغب في التعامل مع الإخوان المسلمين كحالة عربيّة منسجمة، بل تبحث عن جزر إسلاميّة مفصولة عن بعضها ليتسنّى لها القيام بدور الحاضنة. وتعلمت إيران من الدرس السوداني حين ساعدت جبهة الإنقاذ في بداياتها واقتربت من الترابي وبجلته على أمل تمكينها من فسائل شيعية في السودان، لكنها ومع الوقت ملت من المماطلات، والأقرب أن تجربتها مع الترابي دفعتها إلى إعادة إنتاج فلسفة جديدة للاحتواء.
في المحصلة من السذاجة الطعن في الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينيّة، ومن الصبيانيّة نكرانه، وليس هذا مجال مداولة جديّة تحترم العقل، لكن المجال مفتوحا أمام قراءة الأسباب التي دفعت إيران إلى دعم حماس والجهاد، ذلك هو المحور الخصب والحمّال. لأنّ التشكيك في وجود الدعم من أصله ليس غير شعبويّة بدويّة بدائيّة، في ظلّ تصريح رموز الحركة بأنّ الداعم الأوّل للمقاومة هما الثنائي القطري الإيراني وكلّ ودوره ومجاله وخصائصه، كما أكّد إسماعيل هنيّة في العام 2022 على قناة الجزيرة، أنّ إيران قدّمت 70 مليون دولار لتطوير أنظمة الحركة الصاروخيّة. وقال علي بركة، رئيس العلاقات الخارجيّة لحماس، إنّ إيران كانت “أوّل وأهمّ” المانحين، إذ قدمت المال والمساعدات والأسلحة. ثمّ وبعد ايران وقطر تأتي تركيا والكويت والجزائر وماليزيا..
حين نريد قراءة الصّورة بشكل سليم يجب أن نستعمل العقل وليس العواطف والشحنات، كراهية كانت أو محبّة، لأنّه وفي الأخير النّجاح يمرّ عبر التّوصيف الواعي الراشد السّليم، وليس عبر توصيف النّفث والتّنفيس والشّهوات. ونحن نقرأ المشهد يجب أن نفرّق بين الوقائع والعواطف.
تذكّروا جيّدا، لا أحد من رموز المقاومة قال أنّه يعشق إيران ويهيم في حوزاتها، بالمقابل لا أحد من رموز المقاومة أنكر الدّعم الإيراني السّخيّ للمقاومة.