مسرحية.. موش مسرحية
أحمد الغيلوفي
ليف ابراهيموفيتش نوسيمباوم (1905-1945)، هو كاتب يهودي ألماني من أصول أوكرانية، انتمى للحركة الصهيونية، هاجر الى فلسطين وعمل جاسوسا بعد أن انتحل اسم محمد اسعد باي، وتظاهر بالإسلام. كتب كتابا عن محمد صلى الله عليه وسلم، ملأهُ بالأكاذيب والشتائم. يقول عن “إسرائيل” : “يجب أن تكون إسرائيل هي القوة التي تضمن الاستقرار في المنطقة التي تقع بين النيل والفرات، ولتلعب هذا الدور عليها أن تضمن امرين: حالة من الشك والتنافس في الدويلات المجاورة، وتفوقها العسكري والاستخباراتي على الجميع”.
لنفهم العلاقة المعقدة لأنظمة الحكم في الشرق العربي بـ “إسرائيل”، وحاجتهم الماسة لبقائها كقوة مهيمنة في المنطقة علينا استحضار أربعة عوامل مترابطة عضويا ويُعزّزُ كل منها الآخر:
أولا، براغماتية السلالات الحاكمة، وهدفها في المحافظة على السلطة مهما كانت الذرائع والوسائل، ومهما كان الحليف الذي يضمن لها الاستمرار في الحكم. بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الشرق الأوسط والتفرغ لمواجهة الصين في أسيا، وترتيب الأمور بالشكل الذي يجعل “إسرائيل” هي القوة التي تضمن الاستقرار في المنطقة، لم يبق لدويلات المنطقة الهشة إلا التطبيع مع الكيان الصهيوني والاحتماء به واعتبار كل من يحاربه ويسعى الى إضعافه عدوا وهديدا وجوديا صريحا. كان “نتنياهو” يعي ما يقول عشية 7 أكتوبر “إن هزيمة إسرائيل هي هزيمة الدول العربية المطبعة والتي في طريق التطبيع”.
هذه الدويلات تعاني من وَهَن استراتيجي، يتمثل في عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها، وهذا يجعلها في حاجة ماسّة الى الحماية.
ثانيا، الصراع المحموم والدائم الذي خاضته وتخوضه كل سلالة حاكمة مع سلالات وقبائل وعائلات أخرى منافسة، هذا الصراع يجعل انتقال السلطة محفوفا دوما بالكثير من المخاطر والمكائد، هذا الوضع يدفع العائلات الحاكمة الى التحالف مع قوى كبرى وغير خليجية لضمان الاستقرار الداخلي وضمان استمرارها في السلطة. لا يجب أن يغيب عن الذهن الصراع الذي دار بين أل الرشيد وال سعود وكيف كان الحليف الخارجي حاسما في انتصار محمد بن الرشيد على أل سعود ونهاية الدولة السعودية الثانية التي أسسها تركي بن سعود. ولم ينتصر أل سعود على الشريف حسين إلا بفضل الإنجليز.
ثالثا، الصراع الدائم، الخفي والعلني، لكل سلالة مع السلالات الحاكمة في الدويلات المجاورة. هذا الوضع هو ما يجعل العائلات الحاكمة في حاجة الي طرف ثالث يقوم بدور القاضي وبالحماية من الأخطار الداخلية والتهديدات الخارجية. فالإمارات لها مشكل كبير مع ايران، ولها مشاكل تاريخية مع قطر التى رفضت الدخول في الاتحاد الإماراتي، وقطر لها مشاكل حدودية مع البحرين المتحالفة مع السعودية التي تقضُم باستمرار من الأراضي القطرية. أما السلالة الهاشمية في الأردن فهي تتصرف دوما وفي ذهنها ما حدث لها في السعودية وسوريا والعراق، وتعرف أنها مدينة في بقائها الى القوى الغربية.
رابعا، الفساد المالي والاستبداد والقمع البدائي للحريات يجعل هذه العائلات الحاكمة تبحث عن “مناعة” تضمن أن لا تظهر ممارساتها على شاشات المنظمات الدولية، وهذا امر يضمنه تحالفها مع “إسرائيل”. قصة الخاشقجي احسن مثالا على هذه الإستراتيجيا.
بقي سؤال أخير: لماذا لا تتحالف دول الخليج مع قوى إقليمية مثل تركيا أو مصر عوض التحالف مع محور “إسرائيل”/الغرب؟
أولا لان الدول المذكورة هي بدورها تابعة وثانيا هناك عدم ثقة تاريخي: انهارت الدولة السعودية الأولى على يد الجيش المصري الذي اجتاح الدرعية وقبض على عبد الله بن سعود وأرسله الي الأستانة حيث اعدم.
هذه الأسباب المُختصرة جدا تجعل من دول الخليج أمام خطر وجودي في حالة خروج المحور “الإسرائيلي” مهزوما من المعركة الراهنة. إن ذلك يعني أن تواجه مصيرا مماثلا للمصير الذي واجهته المنطقة بعد هزيمة تركيا في الحرب الأوروبية الأولى.
انه لأمر مضحك أن يصف هؤلاء قصف ايران المباشر لـ “إسرائيل” بانه مسرحية في حين قُتل أمامهم وطيلة سبعة اشهر ستين الف فلسطيني دون أن تتجرأ دولة منهم حتى بمساندة الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، بل كانوا يمدون الكيان بالأغذية، وساهموا أيضا في إسقاط المسيرات والصواريخ المتجهة لفلسطين المحتلة.