معرض الكتاب.. والعلاقة العدائية بين الكاتب والقارئ
كمال الشارني
وما دمنا في معرض الكتاب،
نحن في بلاد تفتخر بألف قارئ للكتاب مقابل 12 مليون مواطن دون اعتبار الزوار، فضيحة عمومية لا أحد يهتم لها في بلد الصف على الخبز والفارينة والاستثمار في الغرائز الأساسية، فنحن وصلنا إلى علاقة عدائية بين الكاتب والقارئ،
مؤخرا، دعاني صديق قديم في إحدى الجهات لحضور “تظاهرة أدبية” للحديث عن أحد كتابيّ، أحسست بالخجل لوجودي أمام سبعة أشخاص، ثلاثة منهم عندهم إدمان الحضور لمجرد الثرثرة والتشويش، ليس فيهم أحد قرأ أيا من كتابيّ الاثنين ثم إن عندهم عادة أن يجلب الكاتب نسخا من كتبه لتوزيعها عليهم بلاش، أول سؤال تبادر إلى ذهني:
أين أساتذة العربية والأدب عموما؟ أين تلاميذهم وطلبتهم؟
يجب أن أذكر أنه في نهاية سنوات السبعين وبداية الثمانينات كان أساتذة العربية أكبر مصدر لحب القراءة، في المعهد الفني بالكاف مثلا كانت هناك مكتبة ضخمة بثلاث لغات، للأدب العربي والمترجم وكان أستاذ العربية مكلفا بمكافأة القراء معنويا وعمليا بالكرم في أعداد الامتحانات والتنويه بهم في بداية الحصة، في نفس الفترة، اكتشفت وقتها “ضغطا” حكوميا لقراءة “القنطرة هي الحياة” و”صلعاء يا حبيبتي” وأشياء أخرى كثيرة أكثر رداءة، كنا نهرب منها إلى تداول كتب البشير خريف ثم الأدب المصري وبعد ذلك الأدب المترجم، اليوم، من الصعب أن تجد أستاذ عربية أو أدب غير وظيفي، كل ما يهمه هو الدرس الوظيفي ثم شوية دروس خصوصية إن أمكن،
ومنذ سنوات التسعين، وقفت بحكم مهنة الصحافة على أسرار صناعة الكتاب المدرسي في مادة العربية، من أين يأتي المؤلفون؟ كيف يختارون نصوص الأدب العربي التي تصنع الذائقة الأولى؟ كلالنصوص الدراسية مثيرة للشفقة باستثناء الأدب العربي القليل جدا، وهي فضيحة عمومية أخرى، ثم سمحت لي المهنة بأن أكون في المطبخ الخلفي لصناعة الجوائز والفلوس والوجاهة في الأدب، وقتها دخلنا في الفساد الشاذ، يعني أناس يبحثون عن الجوائز دون حاجة إلى الفلوس أو الوجاهة واكتشفت أن أغلب أعضاء لجان الجوائز الأدبية، تلقاه عضو هنا ومترشح لجائزة هناك، يكتب مقالا صحفيا “نقديا” لمدح كتاب صديقه المترشح لجائزة كذا، اسمها في الثقافة الفرنسية renvoyer l’assenceur وأغلب الجوائز بقيت بين الجامعيين الذين تجد الكثير منهم عنده مجموعة قصصية سخيفة ورواية بائسة وديوان شعر من نوع 6 أسطر في كل صفحة ونقاط متتابعة ومجموعة دراسات نقدية ميتة لنصوص أصدقائه يطوف بها البلاد للاسترزاق من الأدب، وأفضل من يعبر عن الوضع هو الصديق المختفي الشاعر خالد النجار، قال لي مرة: “سأدفع لك ثمن 10 نسخ من أفضل كتب ماركيز وكلفة تغيير أغلفتها وعناوينها لتقديمها إلى أفضل جائزة أدبية في تونس، لن يفطنوا إلى الأصل ولن تفوز حتى بتنويه بسيط لأنهم لن يقرأوها، هم أصلا يعرفون اسم من سيمنحونه الجائزة مسبقا”، لذلك من النادر أن تجد نصا أدبيا تونسيا يغري المترجمين خارج تونس، أغلب ما ينشر ويملأ الفضاء العام هي طحالب فكرية وظيفية،
أصلا، أنا عندي اقتراحان: الأول هو إلغاء دور النشر ومعهم تدخل وزارة الثقافة في شراء الكتب أو دعم الكتاب، الثاني هو إطلاق تنظيمات للكتاب الفلاقة، لتكسير منظومة النشر والتوزيع الميتة والمكتبة التي تأخذ 50 بالمئة من ثمن الكتاب والناشر الذي يتمزى على الكاتب بخمسين نسخة مقابل “شرف” أو وجاهة النشر، أول نتائجها هو انخفاض ثمن الكتاب واستعمال ورق عادي، وثانيا، لن يقدم على النشر أي شخص طامع في دعم وزارة الثقافة على نصوص بائسة لا يقرأها أحد،