مقالات

جريمة دولة ..!

إسلام حمزة

قاضي التحقيق كان عنده فوق مكتبه ملف تزعم السلطة أنه خطير جدّا.. قرر على أساسه إيداع مجموعة من السياسيين المعارضين بالسجن منذ 14 شهرا..

السياسيون المعتقلون في قضية التآمر
السياسيون المعتقلون في قضية التآمر

رغم مزاعم خطورة الملفّ الّتي تفترِض السّرعة والجديّة.. كان قاضي التّحقيق منذ البداية ماخذ راحته.. يبحث ويستقرى في عقل عقله.. وكل مرّة يقرّر التّمديد في فترة الإيقاف.. ويرفض الإفراج على أساس خطورة التّهم الموجّهة إليهم.. كيف لا وهي تُهم حسب مزاعمهم تمسّ بالأمن الدّاخلي والخارجي للدّولة التّونسية بما فيها تكوين تنظيم إرهابي!!.. والإحتكار!!.. والإغتيال !! إلخ..

إستقرى.. إستقرى.. إستقرى.. وما لقى شيء يُدينهم.. بل بالعكس أي عمل يقوم به -على ندرته وبساطته- يزيد يبيّن أكثر فأكثر براءتهم وتهافت تلك التّهم الواهية (وهذا ستعاينوه بأنفسكم قريبا جدا عندما يُنشر ختم البحث للعموم)..

أمّا نحن كلسان دفاع فاستوفينا معه كل الإمكانيات القانونيّة والواقعيّة لإنصاف منوّبينا.. فقد رُفضت جميع مطالبنا وطعوننا.. كما تمّ تكميم أفواهنا عبر منعنا حتّى من مجرّد التّداول في محتويات الملف.. وعليه قطعنا الرّجاء من عدالة المرحلة الإستقرائيّة التحقيقيّة.. وطلبنا منه التّسريع في ختم البحث !!..

طلبنا.. وكرّرنا..!! وألححنا.. عليه منذ أشهر ليختم البحث..!! آملين في آفاق “أرحب”.. قلنا خلّي تتفصل القضيّة في محاكمة علنيّة ويمشي الملف بين يدي قضاة آخرين.. لعلّ يحالفنا حظّ غير عاثر هذه المرّة.. فنتعثّر بقدرة الله ورحمته بقضاة مستقلّين.. ذوي ضمائر حيّة.. وللأسف عنا أشهر على هذا الحال.. أعمال البحث متوقّفة كليّا.. لا جديد.. لا سماعات.. لا مكافحات.. لا إختبارات.. ولا شيء.. أشهُر أصبحت فيهم علاقتنا بقلم التّحقيق تقتصر على سؤال وحيد:
– ختمت البحث؟..
– أعمل على ذلك!..
– قريب تختم؟ ..
– قريب!..
– وقتاش تختم؟ ..
– قبل ما يدخل رمضان!..
– رمضانك مبروك بش تختم سايي؟ ..
– قريب قريب !..

الجديد هو أنّه منذ يوم 5 أفريل محكمة التّعقيب أضحت متعهّدة بالملفّ بموجب الطّعن في قرار دائرة الإتّهام الذي صدر في 4 أفريل.. وبالتّالي أصبح إتّخاذ قلم التّحقيق لقرار ختم البحث غير ممكن قانونيّا إلى حين صدور القرار التعقيبي ورجوع الملف على طاولته !!.. لكن بما أنّ نهاية الـ 14 شهر إقتربت ممّا يفترض قانونيّا الإفراج الوجوبي على المعتقلين في غضون أيّام قليلة.. وبقدرة قادر أصبح حريصا على إسترجاع الملف خارج التّوقيت الإداري من أجل ختم البحث.. !! وذلك في مخالفة خطيرة للإجراءات التي تنصّ أنّ الطّعن في قرار دائرة الإتّهام يوجب توجيه الملف فوراااا إلى محكمة التّعقيب !!..

فيتساءل الشّاقي بعقله!! .. لماذا لم يختم بحثه عندما كان الملف على مكتبه؟.. لماذا لم يختمه عندما كان له متّسع من الوقت؟.. متّسع من الأيّام؟.. متّسع من الأسابيع؟.. ومن الأشهر؟.. لماذا انتظار فوات الآجال؟.. واللّجوء إلى خرق الإجراءات الفاضح والواضح؟.. فالانتهاكات إلّي قاعدة تصير فضيحة!!.. الملفّات القضائيّة -و إن كانت في حقيقتها سياسيّة- من المفروض يتوفّر فيها الحد الأدنى من الجديّة والسترة!! حتى من باب حفظ ماء وجه السّلطة أمام الرّأي العامّ !!.. فالإقدام على إحتجاز النّاس خارج إطار القانون جريمة خطيرة جدا !!.. لأنّه المسألة هاذي لا فيها إجتهاد قضائي ولا وجدان القاضي ولا فيها تأويل!!.. القاصي والداني يعلم أنّ مدة الإيقاف التحفّظي 14 شهر إذا إنتهاو دون أن تُحيل دائرة الإتّهام المتّهمين على الدّائرة الجنائيّة.. كهو وفى !!.. تتسيّب العباد !!.. يحترم القانون ويحاكمون في حالة سراح !!.. الفصل 85 م إ ج واضح وصريح!!..
لكن الحيرة في..
علاش الإنتظار كل هذا الوقت واللّجوء لختم البحث خارج إطار القانون؟..
هل هو متعمّد ؟؟
شكون حب يوصّل التّحقيق للمعركة هاذي؟؟
هل الأمر محض إعتباط وإرتباك ومجرّد صدف تتلاءم مع الأجواء العبثيّة العامّة؟؟..
أو ربّما من كثر التّلفيق غلبتهم الملفّات والإجراءات وماعادش لاحقين يتبعوا الآجال؟؟..
أو لعلّ المماطلة وتفويت الآجال لغاية في نفس يعقوب وعندها إستتباعات مدروسة ستنجر عنها ضغوطات وتكسير عظام منهم فيهم ؟؟..
أم هي رسالة ترهيب مقصودة من قبيل مفاتيح السّجن عنا ولسنا مُلزمين بتطبيق القانون..!! ولن نفرج عنهم حتى بعد إنتهاء فترة الإيقاف القانونية !! وهذاكا الموجود وكان عجبكم؟؟ ..
أو خلطة رديئة من كلّ ذلك معا؟؟ ..

وما يزيد الأمر غموضا هو أنّ رأس السّلطة شخصيّا طلب في خطب رسميّة في أكثر من مناسبة التّسريع في ختم الأبحاث !!..

يا ليتني كنت مجنونة كفاية لكان بمقدوري طرح أسئلة أخرى.. والإدلاء بكل ما يجول بخاطري وبالي.. يا ليت.. لكن ليس لي الآن أن أطفئ ضمأكم بإجابات عقلانيّة!!.. ولا حتى بإحتمالات متّزنة !!.. ففي غياب كلّي للمعطى.. وللمنطق.. وخاصّة للأمان.. وفي خضم فوضى التحرّكات والمناورات التي يختلط فيها المقصود باللّامقصود والواعي باللّاواعي.. يفقد العقل بوصلته.. فيضيع اللّب.. ويضيع المعنى.. وتختنق الفكرة.. وتُكتم الكلمة.. ونتوه!!..

الخلاصة.. مهما يكن من أمر.. الإبقاء على المعتقلين في حالة إحتجاز غير قانوني بعد نهاية فترة الإيقاف التحفّظي القصوى بـ 14 شهر.. جريمة دولة!!..

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock