هل الردّ مصلحة فلسطينيّة؟
سامي براهم
جدل عن الردّ الإيراني المنظور على استهداف جيش الاحتلال قنصليّتها المحاذية لسفارتها في دمشق بما أسفر عن مقتل 16 شخصا بينهم قادة بارزون في فيلق القدس التّابع للحرس الثّوري الإيراني على رأسهم قائد الفيلق في سوريا محمّد رضا زاهدي ونائبه وهو أثقل اغتيال بعد مقتل قاسم السّليماني… وقد توعّد مرشد الثورة بمعاقبة المعتدين بما ينذر بحرب إقليميّة…
هذا التوعّد بالردّ أثار جدلا وموجة من التندّر لما درج عليه محور الممانعة من تكرار عبارة الاحتفاظ بحقّ ردّ لا يأتي… لكن هذا ظاهر الأمر لأنّ ردود إيران ليست صاروخيّة بالأساس ولم تنقطع يوما منذ بداية الرّبيع العربي… لا نقصد بذلك تحريك الفصائل العسكريّة الحليفة لها في المنطقة ودعم المقاومة الفلسطينيّة في غزّة… بل ما هو أكثر من ذلك وأجلّ…
تعمل دولة الاحتلال على تحجيم قوّة إيران ودورها وتأثيرها وامتدادها ليكون لها وحدها اليد الطّولى في المنطقة… مقابل ذلك تمكّنت إيران من التوسّع في العمق العربي سواء بشكل مباشر من خلال الهيمنة على أربع عواصم عربيّة أو من بشكل غير مباشر من خلال التوغّل المنظّم والمخطّط له في النّسيج المجتمعي لدول على امتداد المشرق والمغرب وفي العمق الإفريقي وصلب الجاليات المهاجرة في دول الغرب.
عمق جيوسياسي استراتيجي لا يمكن أن تغامر به إيران مقابل التّنفيس عن مشاعر الغبن لدى مواطنيها وأنصارها أو دعوات التحدّي المناكفة من خصومها…
إيران تعيش عصرها الذّهبي وتتوغّل في العمق الاستراتيجي للمشروع الصّهيوني الذي يراهن على بسط نفوذه على المنطقة في صراع خفيّ ومباشر مع إيران على الهيمنة على فضاء جيوسياسي مشتّت دون بوصلة أو رؤية أو مشروع سوى من وقع استلحاقهم لمشروع التطبيع مقابل المستلحقين لمشروع إيران القومي…
الردّ الإيراني
لذلك مسألة الردّ الذي يفتح المنطقة على حرب إقليميّة ليس مصلحة إيرانيّة بل يمكن أن يشوّش عليها ما هي بصدده من توسّع ناعم ولكن جذريّ وعميق وصل حدّ إحداث تغييرات ديمغرافيّة نوعيّة على الأرض في عدد من مناطق نفوذها…
لسنا معنيين بمصالح إيران التي تتحرّك في عمقنا وبين ظهرانينا في “اللّحم الحيّ”… لكن استهداف دولة الاحتلال لقنصليّتها القصد منه استدراجها وحلفاءَها لردود فعل توسّع دائرة الحرب وتخفّف عنها الضّغط جرّاء جرائمها في غزّة وتحوّل الأنظار عمّا يحدث هناك بما يوفّر لها غطاءً يمكّنها من مواصلة ما خطّطت له من إبادة وتهجير وقطع كلّ أسباب البقاء في غزّة…
ستردّ إيران بطرقها التقليديّة المعهودة من خلال بعض الضّربات والمناوشات ذات السّقوف المحدودة دون الدّخول في حرب مفتوحة لتحافظ على قوّتها ونفوذها… وسيفوّت ذلك على دولة الاحتلال فرص الانفراد بغزّة وأهلها وحرف أنظار العالم عنها…