دعوى نيكاراغوا ضد ألمانيا بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعيّة في غزّة
زهير إسماعيل
يبدو أنّ “طوفان الأقصى” معركة أوسع مما نتوقّع وأبعد مدى وأثرا. ويبدو أنّ الطوفان الذي انطلق من نقطة الحق الفلسطيني سيكون “الطوفان الأقصى” في هذا القرن. مما يجعل من الحقّ الفلسطيني سببا إلى إعادة توازنات دوليّة مختلّة أملتها نتائج الحرب العالميّة الثانية سياسيّا واستراتيجيّا.
ويبدو كذلك أنّ أول أهداف الطوفان وأقربها إلى التحقيق إزالة دولة الكيان الوظيفيّة في علاقة بمستقبل ما يسمّى منطقة الشرق الأوسط. وهو ما قد يستغرق تحقيقه الذي انطلق بضع سنوات.
وفي مسار الطوفان تداعيات ملموسة هنا وهناك في ميادين السياسة والمصالح والعلاقات الدولية والحقوق، منها تحولات الرأي العام الدولي والغربي (الأوروبي الأمريكي) خاصّة باتجاه التحرر من السرديّة الصهيونيّة واكتشاف عدالة القضيّة الفلسطينيّة، ومن صورها الدعوى التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضدّ دولة الكيان وانتهى في 26 جانفي الفارط بحكم يتعلّق بالإبادة الجماعيّة (توصيات لا يمكن تطبيقها دون وقف إطلاق النار).
واليوم تعقد محكمة العدل الدوليّة أولى جلسات الاستماع إلى دعوى دولة نيكاراغوا ضدّ ألمانيا بتهمة تسهيل الإبادة الجماعيّة في غزّة. وفي هذه الدعوى مطالبة بأن توقف ألمانيا تصدير الأسلحة القتاليّة إلى الكيان، واتخاذ المحكمة تدابير مؤقّتة في ذلك.
وفي مرافعة فريق نيكاراغوا القانوني تأكيد على:
- ما يتعرّض له الشعب من عدوان عسكري متواصل وتدمير لا مثيل له في التاريخ الحديث.
- مسؤوليّة ألمانيا عن الإبادة الجماعيّة في غزّة بسبب دعمها للكيان. وهي بسببه مشاركة في عمليّة الإبادة الجماعيّة وانتهاكها الاتفاقيّة الدوليّة في منع الإبادة الجماعيّة.
- ما تحقّقه شركات التصنيع الألمانيّة من أرباح نتيجة بيعها السلاح لدولة الكيان ليكون من بين أدواتها في جريمة الإبادة الجماعيّة المتواصلة في غزّة. وقد تضاعفت تضاعف الدعم الألماني لإسرائيل عشر مرات في الأشهر الأخيرة.
- تواصل الدعم الألماني لدولة الكيان، بعد قرار محكمة العدل الدولي ورغم علمها بما يرتكب في غزّة من جرائم إبادة.
وفي موضوع تسليح الكيان بدأت تظهر تقارير في غاية الأهميّة منها تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (شهر مارس الفارط) وتم فيه الكشف عن الداعم الأكبر للكيان بالسلاح والعتاد وهما الولايات المتحدة وألمانيا اللتان تشهدان موجة تعاطف قصوى مع غزّة في أوساط النخب الفاعلة.
وتوفّر ألمانيا والولايات المتحدة نسب 69٪ من كل ما يستورده الكيان من الأسلحة. وأشار التقرير إلى أنّ بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز حرصا على التسريع بشحنات الأسلحة إلى الكيان بعد 7 أكتوبر، وتواصل هذا بعد قرار المحكمة الدوليّة مما يجعل منهما شريكين مباشرين في جريمة الإبادة الجماعيّة المستمرّة. وسيكون لتتالي الدعاوى ضدّ الكيان الأثر المباشر على صمود المقاومة واتجاهها إلى كسر العدو وإجباره على القبول بشروطها في نهاية الأمر.
ومن المهم التنبيه على أنّ الشركاء في جريمة الإبادة كثر، وكما نقول “التحقيق يجيب”، إذ تتورط جهات عربيّة وإسلاميّة في هذه الجريمة فقد قامت دول عربيّة معلومة بشحن 140 ناقلة نفط إلى الكيان عدا إمدادات الغذاء وكل ما هو لوجستي، وتوفّر دولتا أذربيجان وكازخستان حوالي 60٪ من احتياجاته من النفط. وتوفّر تركيا احتياجاته من الفولاذ والذخائر واحتياجات الجيش من الأحذية والبدلات العسكريّة.
والوجه الآخر لكثرة المتورّطين في دماء فلسطين أنّ غزّة لا تقاتل دويلة الكيان بمفردها بقدر ما تواجه نخبة القوّة في العالم الغربي وأدواتها في المجال العربي والبلاد الإسلاميّة. وهو ما يجعل من صمود المقاومة وتفوقها ومن صبر أهل غزّة أسطورة الألفيّة الثالثة وعنوانها الأبرز وقيمتها الأولى بعد الربيع.
ويبدو أنّ العالم سيبقى لعقود تحت تأثير الطوفان وتداعياته المتلاحقة.