على مراد الله.. لا يمكن إصلاح جماعة بنخب غبية وطماعة
أبو يعرب المرزوقي
المشاركة في الانتخابات ستكون لصالح إخراج المنقلب من هذا المأزق بخلاف حمق من يتصور الانتخابات فرصة للإطاحة به.
معادلة المسرحية الجارية ليس أبسط منها رغم ما يحفها من “زياط وعياط” والتسابق في سوق الكذب الذي يعبر عن الحرص على مصلحة الوطن:
بساطتها بينة لكل ذي عقل. والرد عليها يمكن أن يكون ابسط منها. لولا عموم الغباء وسلطان الطمع الجامح.
فشبه الإجماع على المشاركة في الانتخابات والتخلي عن عزل المنقلب الذي قرره الشعب بعدم المشاركة في كل مبادرات خارطة طريقه بدليل فشله فيها كلها إذ كان الحضور دون 5 في المائة وهو عزل صريح ونفي لكل شرعية بأي منطق يقبله العقل:
1. فالمشاركة في الانتخابات ستكون لصالح إخراج المنقلب من هذا المأزق بخلاف حمق من يتصور الانتخابات فرصة للإطاحة به: وهذا من علامات بلادة جبهة الخلاص وطمع بعض رموزها في الترشح.
2. لأنها ستجري بتكالب الترشح وتكثف حضور الناخبين ومن ثم بنوع من إضفاء الشرعية على حصيلتها
فيكون تعددها لصالحه مع ما يترتب عليه من تفتت الأصوات وإمكانية مروره أو مرور بديله الذي أعده من نصبه.
3. وفتات الناخبين مع استحالة المراقبة بهيئة انتخابات مزيفة وامتناع المراقبة الموضوعية سيحققان أمرين: مرور المنقلب أو من قرر منصبه استعمال جوكار ليطيح به في الدور الثاني.
4. وسيكون البديل من النجوم التي سينفخ فيها الإعلام الذي كلنا يعلم أنه تحت سيطرة المخابرات الاستعمارية والعربية التي لا تريد للفساد والاستبداد أن ينتهيا في بلاد العرب ولن يسمحوا بعودة الربيع.
5. وإذن فكل هذا الجدل حول المشاركة في الانتخابات هدفه الإقناع بهذه المسرحية وهي إما لتمديد عمر المنقلب أو للإتيان ببديل منه بنفس الاستراتيجية المخابراتية الواضحة لكل ذي عقل.
فسواء كان المشروع هادفا لإطالة حياة المنقلب وهو ما اشك في كونه الدافع الحقيقي لمحركي عرائس هذه العملية التي سيزعمونها ديموقراطية ونزيهة.
أو الإتيان ببديل -وهو المرجح عندي- اختاره من أوجدوا المنقلب الحالي ويريدون استبداله بغيره يكون مثله من حيث الأهداف السلبية وأقل غباء منه من حيث الأدوات التي تحققها.
وإذن فالبديل سيكون من جنسه من حيث الأهداف لكنه يختلف عنه من حيث الوسائل المخادعة في الخطاب والسلوك الظاهر ليكون أقدر على تحقيق ما فشل فيه وذلك بمسرحية توهم بالديموقراطية لتضفي على الانتخابات ما فقدته كل مبادراته أعني الحضور الكثير للمشاركين فيها فيكون المرجح تمرير البديل والتخلص من الحماقات ظاهرا وتعميقها باطنا بحيث إنه هو بدوره سيكون هذه المرة المخدوع بعد فشله كخادع: سيشارك في الخداع ولن يخدع إلا نفسه والحثالة التي عجزت دون مساعدته في تحقيق أدنى فائدة للناخبين.
لذلك فالحل الأبسط من المحبوكة التي سيكون الكل مشاركا فيها وهو مواصلة ما يحول دون ثمرات هذه الحبكة “المخيطة بالخيط الواهي” بعدم المشاركة فيها.
لأن المشاركة ستيسر الإنقلاب على الانقلاب ببديل منه دون أن يخرج تونس من وضعها الراهن لأن الشرعية المفقودة غالبها ستزداد قدرة على الخداع بأسماء جديدة.
ذلك ما أتوقعه وقلما لم يوفقني الله في توقعاتي: فسترون كثرة الذباب “المقنقن” في زبالة الترشحات بما يقرب من عدد الترشح في المرة السابقة بحيث إن هذه النخب السياسية الفاسدة والطامعة في الإثراء السريع هي التي ستزيد الطين بلة وسيغرقون تونس في ما لن تستطيع الخروج منه وقد يضاعف عمر الاستقلال المغشوش.
ذلك أن غش الاستقلال كان تحت وصاية مستعمر واحد هو فرنسا. لكنه أصبح الآن تحت وصاية عدد كبير من المستعمرين:
- عربي قريب في المغرب وبعيد في المشرق
- واجنبي قريب هو فرنسا وبعيد هو إسرائيل وإيران.
وبذلك سترون تونس قد صارت كما توقعت لبنان ثانية يتقاسمها العربي والإسرائيلي والإيراني والفرنسي بخدمات مافية داخلية: يعني كأنها فاجرة كان لها باندي (فتوة) واحد فصارت محمية خمسة باندية وكل من سيقع عليه الاتفاق سيكون تياسا.
يعين البواب وظيفته أن يعطي لكل واحد منهم حصته للتداول على سرير العروس التي ليس لها “والي ولا تالي”. تلك هي الوضعية التي يعدنا بها أصحاب الكوميديا المبكية على حال تونس.
ورغم ذلك فإني ليست يائسا حتى في هذه الحالة -أي وقوع المشاركة في الانتخابات- فيمكن إفساد خطة أعداء تونس دون انتظار المصالحة بين التطرفين إسلامي علماني:
وذلك بتطبيق القواعد التي تحكم استراتيجية التنافس السياسي. فالحل يكمن في توحيد صف أحدهما. وهو كاف لأنه سيفرض على الثاني المواجهة بنفس السلوك لأن “الخوف يجري الجوف”.
وهي ليست ممكنة فحسب في كل منهما إذا كانا حقا صادقين في تحقيق مصلحة تونس بل هي ضرورية
لكنها حاليا مستحيلة بينهما إلا بالكذب واللعب بمصلحة تونس لعبا بينا بمصلحة أيا من الخيارين.
كيف ذلك: فلو اتحد الإسلاميون على مرشح للرئاسة واحد بدلا من ثلاثة أو لا واحد لاضطروا خصومهم للاتحاد على مرشح واحد بدلا من اكثر أو لا واحد.
فنكون في الحالتين قد قضينا على الفتات وتغلبنا على المسرحية بجعلها انتخابات فعلية بوسعها أن تسقط المنقلب بالضربة القاضية وتحول دون الأعداء وتمرير بديل منه من جنسه.
وإذا تم ذلك فإن المرشحين ستحصل منافسة بينهما وهي منافسة حميدة لأنها ستضطرهما بحسبان الربح والخسارة أن يحدوا من العداوة الإيديولوجية. ومن ثم فكلاهما سيحاول مهادنة قاعدة الثاني ليضعف خصمه ويربح الرهان الانتخابي.
وإذن فالمنافسة بينهما ستقتضي حتما أن يغازل كلاهما منتخبي خصمه ما يجعله بمقتضى الاستراتيجية الانتخابية التخلي عن التطرف فيحصل المطلوب أيا كان من سينجح منهما ولا يكون مرتهنا بهذه التدخلات.
وبعبارة بسيطة أن الكرة اليوم عند الإسلاميين وعليهم أن يتخلوا عن الهروب من المواجهة بالبحث الأحمق عن “عصفور نادر” من خارجهم.
فإذا اتفقوا على مرشح واحد منهم فإن خصومهم سيكونوا مضطرين لنفس الحل وبذلك فوحدتهم شرط وحدة خصومهم فتكون أفضل خدمة لتونس بدلا من سياسة “تذاكي” البهامة.
وحينها ستكون استراتيجية كلا المرشحين السعي لغلبة الثاني بإغراء ناخبيه فيسقط المنقلب ولن يمر البديل الذي يعده أعداء تونس.
تلك هي الاستراتيجية التي اقترحها بعد تبين استحالة البداية بالصلح بين الفريقين. فليتصالح كل فريق مع نفسه فيضطر الثاني لمحاكاته حتى يتنافس معه منافسة الند للند.
ومن شروط التنافس دائما التخلي عن التطرف والسعي للاستفادة من مغازلة قاعدة الثاني: ففي السياسة كما قال أفلاطون شيء من روح الصياد.
لا يمكنه صيد الأصوات من دون أن يكون عارضا لبضاعة ترضي طالبيها والغاية نفاق البضاعة فتكون المنافسة على قاعدة الخصم من الناحيتين وذلك هو الهدف في السياسة.