تدوينات تونسية

بين الملثم والسديس

نور الدين الغيلوفي

1. عبد الله بن المبارك أرسل إليه الفُضيل بن عياض العابد رسالة، ينصحه فيها بالتفرّغ للعبادة فهي أفضل من كل شيء، حتّى من الجهاد في سبيل الله، فردّ عليه بأبيات تَمَثَّلَ الملثّمُ في كلمته الأخيرة ببيتين منها،

أبو عبيدة
الملثم

قال:
يـا عابدَ الـحَرَمينِ لـوْ أبصرْتَنـا لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ
مَنْ كان يَخْضِبُ جيدهُ بدموعِهِ فَنُـحُورُنـا بِـدِمَـائِنـا تَتَـخَضَّـبُ
أو كان يُتْعِبُ خـيلَهُ في باطلٍ فخيولُنا يومَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعـبُ
رِيْحُ الـعَبِيْرِ لكمْ ونحنُ عبيرُنـا رَهْجُ السَّنابكِ والغبارُ الأطْيبُ
ولـقـد أتـانـا مِنْ مَقـالِ نبيِّنـا قَوْلٌ صـحيحٌ صادقٌ لا يُكْـذَبُ
لا يَسْتَوِي وغُبارُ خَيْلِ اللهِ في أَنْفِ امرئٍ ودُخَـانُ نارٍ تَلْـهَبُ
كتـابُ اللهِ ينطِـقُ بَيْنَنـا ليس الشَّهيدُ بميِّتٍ لا يُكْذَبُ

2. سُئل عبد الله ابن المبارك: مَن الناسُ؟
فقال: العلماء،
قيل: فمَن الملوك؟
قال: الزُّهَّاد.
قيل: فمن السِّفْلة؟
قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين!

3. تحدّث أبو حيّان التوحيديّ عن رجل يدعى الدّاركيّ، قال فيه: وأما الدّاركي فقد اتخذ الشهادة مَكْسَبَةً، وهو يأكل الدنيا بالدين، ولا يرجع إلى ثقة وأمانة، هذا مع الفدامة والوخامة وقد علت رتبته في الكلام حتّى لا مزيد عليها، إلا أنه مع ذلك نغل الباطن، خبيث الخبء، قليل اليقين…”.

السديس
السديس

4. صرت كلّما وقع سمعي على صوت السّديس وهو يتباكى أنكرت الصوت وصاحبه وما رأيت منهما غير برميل شحم ولحم أو طبل كلّ الذي فيه خواء.
الرجل أثرى بصوته.. يرتّل به الكتاب ويتباكى في قراءته وهو الكثيف المستعدّ دوما للكنيف..
“تبرمَل” (صار برميلا) من بِطْنَةٍ به أذهبت فطنةً تحول دونها كثرةُ الأكل.

أجرت هيئة مكافحة الفساد التي أنشأها وليّ عهد آل سعود تحقيقا بثروة البرميل، واكتشفوا أن قيمة أملاكه قد تجاوزت الـ600 مليون ريال. لم يترك الطبل الأجوف باب سوء إلّا دخله.. دخل باب الثراء الفاحش من إمامة الحرم ودخل باب الخنوع المذلّ من السمع والطاعة لوليّ أمره وحده “ولو جلد ظهره”.

بتّ لا أطيق رؤية هذا البرميل.. وحين أسمعه يحضرني القول المأثور “ربّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه” وأميل إلى تصديقه. وكأنّما ابن المبارك إنّما كان يقصده بقوله:
يـا عابدَ الـحَرَمينِ لـوْ أبصرْتَنـا لَعلمْتَ أنّك في العبادةِ تَلْعبُ
مَنْ كان يَخْضِبُ جيدهُ بدموعِهِ فَنُـحُورُنـا بِـدِمَـائِنـا تَتَـخَضَّـبُ

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock