تدوينات تونسية

الحجاز.. مصر.. الجزائر.. و الشقيقة الكبرى البرازيل

محمد ضيف الله

صيد الطيور هو أهم هواية كان يمارسها الأطفال في واحات الجنوب، نعرف أسماءها وألوانها وسلوكها، ولكن طائران لم نكن نلتفت إليهما وهما البوحبيبي، الذي يعيش بالمنازل، والخطاف الذي كنا نسميه الحويجّة (تصغير للحاجّة). عندما نمسك بها ندهن رقبتها بالزيت ونطلقها قائلين: امشي سلمي على فاطنة بنت النبي، اعتقادا منا بأنها ستتوجه إلى الحج المقصود به أرض الحجاز.
وفي لعبة الغميضة، عندما ينكشف الأطفال المختبئون ويجري وراءهم اللاعب الرئيسي ليمسك بهم، كانوا يلجؤون إلى مكان نسميه “الحج”، وهو المكان الذي عندما يلجؤون إليه، يفوزون بالمنعة والأمان فلا يقع الإمساك بهم. والحج المقصود به أرض الحجاز حيث الحرمين الشريفين. وكان كثيرون يعتقدون أن أجدادهم جاؤوا من هناك.
وها قد رأينا سكان الحجاز الذي كان يسكن ألعابنا وأحلامنا الصغيرة، ونرى السعوديين في مواقفهم من غزة، الواحد لا يتشرف بأن يكون في وضعيتهم ولا منهم. بلد متخلف لا يمكن أن يكون نموذجا ولا مثالا، ولا كان جديرا بألعاب طفولتنا.

هذه هي مصر..

في عام 1945، بورقيبة كانت وراءه سبع سنوات بين نفي وسجن، هرب من تونس مشيا على الأقدام عندما وصل الحدود المصرية، حرر ضده محضر مخالفة عبور الحدود وحمل إلى القاهرة مخفورا، وأوقف لليلة والتزم بعدم الاشتغال بالسياسة.
في 1946، عندما حل بمصر الحبيب ثامر ومجموعة من الوطنيين التونسيين المحكوم على بعضهم بالإعدام في بلادهم، دُعُوا إلى مغادرة مصر، لولا تدخل السفير العراقي تحسين العسكري الذي منحهم جوازات سفر عراقية.
يوسف الرويسي أيضا استقل باخرة في اتجاه بيروت مرورا بالإسكندرية غير أنه لم يتمكن من النزول لأن السلطات المصرية رفضت منحه رخصة مرور بمصر.
في 1948، المتطوعون التونسيون الذين شقوا ليبيا للحرب في فلسطين، أوقفتهم السلطات المصرية على الحدود وأعيدوا إلى تونس. هذه هي مصر.

مصر هي التي سلّمت قطاع غزة في 67 لجيش الاحتلال، وكانت في 48 قد انهزمت أمام العصابات الصهيونية في فلسطين، وفي 79 طبّعت مع الكيان، ولم تسند القضية الفلسطينية بعد ذلك، وها هي منذ 2013 تحاصر غزة، وصولا إلى المساهمة في تجويع الغزاويين، هذه هي مصر.

الجزائر..

حتى تكون شقيقة كبرى بالفعل، كان على الجزائر أن لا تذهب إلى مجلس الأمن، وهي تعرف أن مبادرتها لن ترى النور بسبب الفيتو، وإنما هناك طريق أقصر بكثير وهو أن تهدد بقطع النفط والغاز للبلدان الأوربية، مجرد تهديد. ولو فعلت لحصل ما أرادت الحصول عليه في مجلس الأمن، ولكان ذلك في حجم ثورة المليون شهيدا، ولرفعها ذلك إلى مصاف جنوب إفريقيا في موقفها من العدوان على غزة.

البرازيل..

في تعاطفها مع غزة، وفي موقفها من العدوان، أكثر عروبة وإنسانية من المغرب، ومن مصر، ومن الأردن، ومن البحرين، ومن الإمارات، منها كلها مجتمعة ومتفرقة.
البرازيل شقيقة كبرى لفلسطين، وليست مصر ولا السعودية ولا الجزائر.

ليست الدول العربية فقط صامتة وإنما أيضا الدول الإسلامية. كل من حضر أشغال القمة العربية الإسلامية الطارئة (هههه) التي انعقدت في الرياض، من ذلك أن وزراء إيران وتركيا الذين كانوا ينتصبون كما لو أنهم كرونيكارات في التلافز التونسية، توقفوا منذ مدة طويلة عن تحليل مجريات الأحداث في غزة، لم نعد نسمعهم يتكلمون. لم تعد تحاليلهم تنطلي حتى عليهم هم. فصمتوا.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock