أبو يعرب المرزوقي
محكمة العدل الدولية
ضميمة ثالثة: في سر هشاشة إسرائيل وزيف قوتها
في حواري الأخير مع الأستاذ عامر (أول امس) قلت إني اكتشفت عدم أهليتي للسياسة. وقد يظن الكثير أني عاجز دونها. وليس ذلك قصدي بل معناه أن رؤيتي للسياسة تريد الجمع بين السياسي والخلقي وهما يشترطان عدم الكذب والنفاق.
فلا يكون ذلك ممكنا لغير الرسل أو من ربوا مباشرة منهم وهي حالة قلما تدوم. لذلك فهي انتهت مباشرة بعد اغتيال ثالث الراشدين. فعادت السياسة إلى طبيعتها التي عجز دونها كل البشر فصاروا يعتبرونها جوهرها مناقض للأخلاق أي إنها تتأسس على الكذب والنفاق.
لذلك فهمي لم يكن المشاركة في السياسة بل فهم علة هذا الانقلاب في طبيعة السياسة من تربية وحكم يهدفان لتكوين الإنسان ذي الإرادة الحرة والحكمة ألراجحة أي ما يسميه ابن خلدون “الرئاسية بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له الإنسان” إلى العبودية والخبث الراجح أي ما يسميه ابن خلدون “فساد معاني الإنسانية” أي أخلاق العبيد. لذلك فهو قد خصص فصولا طويلة لهذا الانقلاب الذي يحصل في السياسة والذي عجز دون فهمه أفلاطون (تجاربه السياسة الفاشلة معلومة) وأرسطو (دوره في تربية الإسكندر المقدوني معلوم).
ذلك هو القصد من عدم أهليتي للسياسة المباشرة وتفرغي لفهم هذا اللغز. ولا يفهم هذا اللغز من دون فهم السر في هشاشة إسرائيل وإيران اللذين يبدوان اقوى ما يوجد في دار الإسلام.
واللذين سيهزمهما من يؤمن باستراتيجية الإسلام في منع الانقلاب في أخلاق البشر: استراتيجية القرآن في التربية والحكم الهادفة إلى توحيد البشرة وتنمية الوزع الذاتي وتنظيم الوزع الأجنبي بلغة ابن خلدون.
المحاولة
يكفي لبيان هشاشة إسرائيل التساؤل عن مصدر ما يظن قوة مضاعفة أعني ما قضت عليه حماس بجرأتها على عملية الطوفان التي لم يكن بوسع إسرائيل ولا حماتها من الغرب والشرق توقعها بسبب الاستهانة بقوة الإسلام والشباب المسلم الذي كان ولا يزال أهم محركات التاريخ البشري كله منذ نزول القرآن.
صحيح أن المسلمين خسروا معركة الثورة العلمية وتطبيقاتها والثورة الاقتصادية والسياسية وتطبيقاتهما وخاصة بعد تكون الإمبراطوريات التي كانت في صراع مباشر مع المسلمين في خلال تدخلهما في أوروبا من غربها (الأندلس) ومن شرقها (إستنبول).
فهذه الخسارة هي التي أنتجت نجاح حرب الاسترداد الغربية وحلفه مع أعداء الإسلام الداخليين (إسبانيا والبرتغال) فخسر المسلمون ما كان لهم من سلطان على العالم كله لأن كل مستعمرات الغرب كانت تابعة للمسلمين في الشرق وفي الغرب وحتى في ما يسمى بالعالم الجديد.
ومع ذلك فالمسلمون بقوا يقاومون وشديدو التأثير في مجريات أحداث العالم وإن كانوا في موضع الدفاع حتى تمكن الغرب من تحقيق شروط التفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي بعد إنهاء لحمة الخلافة أي خلال الحرب العالمية الأولى لما اتفقت القوى الثلاث الممثلة:
- لإنجلترا (بروتستانت)
- وفرنسا (كاثوليك بشكل حديث هو علمانية فرنسا التي هي تعلمن الكاثوليكية مثل البروتسنتية على الأقل في التعامل مع مستعمراتها)
- وروسيا (الأرثودوكس) في خطة سايكس بيكو.
وإذن فضعف المسلمين وهشاشة دولهم هي نتيجة لما حصل خلال التنافس مع محاولات الغرب الأوروبي استرداد إمبراطورية روما وإن بروح تعتمد على روح كاثوليكية وبروتستنتية وأرثودوكسية من خارج دار الإسلام وتحالفهم مع أعداء الإسلام من داخله أعني بقايا إمبراطورية فارس وإمبراطورية بيزنطة أي التشيع والتنصر الموجودين في دار الإسلام
وكان معهما يهود العالم الغربي الباقين فيه وحتى من هاجر منهم إلى دار الإسلام هروبا من الهولوكوستيات التي هي كلها غربية. والدليل أنهم جمعا تحالفوا مع المستعمرين الغربيين وتجنسوا بجنسيتهم ولم يقاوموه مع من حماهم منهم.
وقد ظن يهود الغرب أن الغرب يحبهم لما ساندهم ضد المسلمين وتمكينهم من احتلال فلسطين (وعد بلفور الذي كان شرطه خطة سايكس بيكو): لم يفهموا أن ذلك كان ضربا غربيا لعصفورين بحجر واحد طردهم من الغرب واستعمالهم قاعدة في قلب دار الإسلام لتعطيل نهوضه وإفشال مقاومته.
ويوم يفهم يهود العالم أن قوتها الزائفة تستمدها من خوف الغرب من نهوض المسلمين سيفهمون عنها أنه آخر اهتمام الغربيين وأنهم من جنس أكرانيا في حربه على روسيا مجرد أداة في استراتيجية سيتخلون عنها لما يصبح للمسلمين ما يكفي من قوة تجعله يطلب ودهم ويتخلى عنهم. وإذن فلا بد من فهم سر قوة إسرائيل الوهمية أعني هشاشة العرب قلب دار الإسلام وهي هشاشة مضاعفة:
- هشاشة الأنظمة إزاء إسرائيل التي هزمت جيوش ليس لها الأهلية للحرب لأن جلها من الأميين أولا ولأن تسليحها كله مستورد ولا تنتج شروطه.
- وهشاشة الأمة إزاء الغرب حامي إسرائيل لأن سيطرة مافيات إسرائيل على مافيات الغرب هي التي تسيطر على مافيات المسلمين كذلك.
- لكن مافيات العرب ليست مقصورة على من هم خاضعين لمافيات إسرائيل والغرب وخاصة أمريكا فحسب بل الكثير منها خاضع أيضا لمافيات إيران والشرق وخاصة روسيا.
والفرق هو أن إسرائيل مسيطرة على مافيات الغرب لكن مافيات الشرق مسيطرة على إيران التي تحتمي من استعانة إسرائيل بالغرب في التقدم عليها في السيطرة على الإقليم بالاستعانة بالشرق دون أن يكون لها سلطان عليه كما لإسرائيل على الغرب.
ومثلما أن مافيات يهود الغرب يسيطرون على مافياته فإن مافيات يهود الشرق يسيطرون على مافيته: فروسيا مثل أمريكا حتى في عهد بوتين لا تختلف علاقتها بيهود العالم عن علاقة أمريكا بهم:
فالمعركة بين الغرب والشرق في ظاهره هو بين أمريكا وروسيا -قبل بزوغ نجم الصين- بل هو بين سيطرتين على الشيوعية وعلى الرأسمالية أي على العالم من منطلقين متكاملين: باسم معدن العجل (الرأسمالية) وباسم خواره (الماركسية).
ومن تغيب عنه هذه البنية العميقة التي حكمت الصراع بين الثورة البلشفية والثورة الأمريكية لم يفهم أن ما تحقق في البروتستانتية رأسماليا حصل في الماركسية شيوعيا للسيطرة على قوتي الغرب الحديث أي التحول الذي حصل في الغرب بثورة دينية جمعت بين اليهودية الكاثوليكية -وهو معنى البروتستانت التي جعلت التوراة تسيطر على الأناجيل-حصل في الشرق بثورة جمعت بين اليهودية والأرثودوكسية -وهو معنى الشيوعية التي جعلت نقيض معدن العجل أي خواره الذي يغطي عنه- يسمى ماركسية باسم الشعبوية الطبقية.
لذلك فالحصيلة أن الإسلام صار العدو اللدود لكلتا الثورتين الغربية والشرقية على الأقل إلى حدود سقوط السوفيات والذي كان للمسلمين دورا هاما في إسقاطه بتبعية للغرب بينة استفاد منها لكنه لم يكن يدري أن ذلك كان أيضا مرحلة ضرورية استفاد منها الإسلام لأنه لم يستعد دور الجهاد وفهم شروط الاجتهاد العلمي والتقني الضروري لاسترداد قوته خلال الأفعال وليس بمجرد الأقوال.
ومثلما أن إسرائيل تعتمد على الغرب والشرق في آن فإن إيران كذلك تعتمد على الشرق والغرب في آن. ينبغي أن أضيف أن إيران تحتمي بالغرب كذلك ليس بصورة مباشرة بل بصورة غير مباشرة أي إن الغرب يحتفظ بها لعلمه بحاجته للمخرب الداخلي في دار الإسلام استعدادا لمنع الاستئناف الإسلامي لأنها الحليف الدائم للغرب في حربه على الإسلام منذ الصليبيات والاسترداديات رغم أن إيران الحالية ليست إيران السابقة لكنها في علاقة مباشرة مع الباطنية ثم الصفوية..
فتكون هشاشة العرب هي الجمع بين التبعيتين:
فتوابع إسرائيل يقوون إسرائيل مباشرة لأنها توهمهم بأنها قادرة على حمايتهم من شعوبهم أولا ومن إيران ثانيا في حين أن الغرب يحول دونها والتفرد بالسيطرة على المسلمين لأنه يحتاج إلى المخرب الداخلي ولعدم جهله باستحالة تغلب إسرائيل بمفردها على أي دولة عربية.
إذا وجد فيها آساد من جنس شباب حماس حاليا أو من جنس كل المقاومات التي يمثلها كبارة المجاهدين في المغرب لأن عودة المشرق للجهاد متأخرة نظرا إلى أن الاستعمار الاستيطاني فيه متأخر كذلك بالقياس إليه في المغرب.
وواضح أن توابع ايران يقوون إسرائيل أكثر من توابع إسرائيل لأنهم في آن يمررون خدمة ايران على أنها معادة لإسرائيل في حين أنها هي التي تقوييها بما تجعل كل من يريد أن يقاوم إسرائيل من العرب مضطرا للتعامل معهم لأن عملاء إسرائيل من العرب يدعون انهم يعادونهم ويتهمونهم بأنهم عملاء ايران: بهذا الشعار حاصروا قطر مثلا وبها يحاصرون حماس.
وتلك هي علة لجوء حماس إلى مليشيات إيران دون جهل منها بهذه اللعبة والدليل موقفهم من حرب سوريا ولبنان والعراق واليمن. فهي لم تعادي من أجلهم دول الخليج وبقيت تحاول التقرب منهم رغم صدهم لها بل أكثر من ذلك فكل العرب يعادون حماس لأنها ذات انتساب إلى الإخوان لخوف الأنظمة من الإسلام السياسي الذي هو أقرب إلى ميول شعوبهم ومواقفهم من الأنظمة..
وبذلك يتبين أن ما أعالجه في هذه الضميمة الثالثة هو أصل ما ورد في الضميمتين المقدمتين عليه. فهي تلتفت إلى الضميمتين الأوليين أي ما تبين من خسران إسرائيل كل سردياتها بفضل الهولوكوست الذي تقدم عليه في غزة لأنه بين حقيقتها العنصرية والمتوحشة.
ولم يعد أحد يصدق خرافة الشعب المضطهد الذي يدافع عن وجوده لأنه تبين أنه يحارب وجود غيره ويغتصب أرضه ويعتدي على عرضه وشروط بقائه بمحاولة القضاء عليه عضويا بمنع أدنى شروط الحياة السوية.
وما سيرد في الضميمتين المتأخرتين عنها هو ذلك غاية هذه الوضعية لأن قوة إسرائيل وإيران مصدرها هشاشة الأنظمة العربية أولا والتفتيت الجغرافي والتشتيت التاريخي الحائلين دون شروط القوة التي تجعل إنتاج شروط التقدم المادي والثروة والتي تجعل إنتاج التقدم الروحي والتراث ممكنة وهو معنى الاستئناف المشروط بالاستئناف أي توحيد جغرافية الأمة وتاريخها شرطين لرعايتها وحمايتها الذاتيتين.
فيكون بيان هشاشة إسرائيل وإيران من طبيعة واحدة: كلاهما يعتمدان على دين العجل جمعا بين معدنه وخواره أي المافية التي تمتص ثروات الشعوب التي صارت خاضعة للمافيات غربية كانت أو شرقية بسبب فساد أنظمتها السياسية التي هي في خدمة هذه المافيات باسم نظرية شعب الله المختار (اليهود) وباسم (أسرة الله المختارة) للتغطية على معدن العجل أو سلطان العملة الربوية وسلطان خوار العجل أو سلطان الكلمة المضللة:
فإيران تحارب الإسلام بالمليشيات وتمول حربها بأموال الحمقى من العرب أي العراق وسوريا ولبنان والخمس من لحي عرب الخليج وإسرائيل تحاربه بالأنظمة العربية وتمول حربها بأموال الحمقى من العرب والغرب في آن بدعوى حمايتهم من الإرهاب الإسلامي والإيراني.