الشقيقة الكبرى.. جنوب إفريقيا
محمد ضيف الله
يحق للفلسطينيين أن ينعتوا جنوب إفريقيا بالشقيقة الكبرى، فهي الأقرب من جيرانهم من حيث نصرتها لقضيتهم، بقدر التقائهم معها من أجل الحرية والتحرر،
الحرية تنسج علاقة أمتن من علاقة موروثة تنبني على العرق أو الجغرافيا. والدليل أن جنوب إفريقيا قامت برفع شكوى ضد الكيان الإرهابي، بينما كل الدول العربية صغيرها وصغيرها، وبدون استثناء، ردمت رؤوسها في الوحل، لا تسمع ولا ترى ولا تحسّ. فبحيث لا تختلف في مواقفها عن مواقف لم تأت ولا ينتظر أن تأتي من جزر الموريس أو منغوليا.
خارج التاريخ..
بمعنى كأنهم غير موجودين، وإلا فهل يُعتبر موجودا في التاريخ لمجرد أنه عاش مع فاعلين، يحركون بالفعل عجلته؟ هل يُعتبر من لا إسهام لهم فيه إلا بما يظهرونه من خضوع وتذلل؟ هم لم يدركوا حتى صورتهم في أعين، وقبل ذلك في سياسة وتخطيط من يتذللون لهم. فلا احترام لهم عندهم، فالأقوياء لا يحترمون إلا من كانوا في قيمتهم وميزانهم، وأما الصغار، فهم أرانب أو رمال أو مشهد بشع، سيّان. عرب يتذللون لأمريكا.
ثلاثة.. بلا وزن
عدم تدخل الدول العربية، أقصد تحديدا العربية السعودية ومصر العربية والجزائر الجمهورية الديمقراطية الشعبية، وثلاثتها تعرف عدم التوازن بين الكيان الإرهابي والمقاومة في السلاح، وفي حرية الحركة، معناها بكل وضوح أنها تصطف إلى جانب الكيان الإرهابي، معناها أنها تعطيه الفرصة كاملة حتى يقوم في راحة من أمره بتدمير غزة على بكرة أبيها، وهو ما يقوم به منذ ثلاثة أشهر. ما وقع خلال ثلاثة أشهر لم يحرك شيبة في رأس حامي الحرمين الشريفين، ولا حرك جنديا مجنونا من خير أجناد الأرض، ولا هو يساوي شيئا في بلد المليون والنصف شهيد. بمعنى أن مواقف تلك القوى الإقليمية تتساوى تماما مع دول صُغيّرة من نوع جزر الرأس الأخضر أو موناكو أو لوزوتو. وهو ما يثير الحزن والأسى عليهم.
جنوب إفريقي
تتذكرون ولا شك في السنتين الأوليين من عشرية الحرية، عندما كان العالم والعرب يتمنون أن كانوا تونسيين، والله هذا الشعور عبر عنه الكثيرون، وكنا بالفعل نفتخر بأننا تونسيون، منذئذ مرت مياه كثيرة، مئات الآلاف من التونسيين حرقوا نحو عوالم أخرى، وربما ما يجمع الكثير ممن بقوا الآن هنا، أن يحرقوا مثلهم، ولم نعد نسمع بمن يفخر بالانتماء إلى هنا. وتهنئ النساءٌ أمهاتِ من جازفوا بقطع البحر ووصلوا إلى الضفة الأخرى، وأما أنا فتمنيت اليوم أن كنت من جنوب إفريقيا. نيلسون مانديلا بإمكانه أن يفخر بموقعه في التاريخ، والبلاد التي تركها قلعة للأحرار.
حكام العرب..
يدركون أن وجودهم يرتكز على وجود الكيان العبري، فإذا ما زال هو زال حكمهم. وبالتالي فعدم دعمهم لغزة هو وقوف إلى جانب الكيان العبري الذي اهتز يوم 7 أكتوبر، وشعر بقرب زواله، وهم لا يريدون له الزوال، بل هم يتمنون الموت للمقاومة، لأن انتصارها سيؤدي إلى انتفاض شعوبهم ضدهم.
مصر نفسها..
في إطار بحث أعدّه حاليا، تعرضت إلى المؤتمر الإسلامي بالقدس الذي انعقد في ديسمبر 1931. وكان الهدف منه هو التصدي للحركة الصهيونية التي كانت تلقى المساعدة من بريطانيا آنذاك والتصدي للهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وللتذكير فهذا المؤتمر لعب فيه الشيخ عبد العزيز الثعالبي دورا كبيرا جدا. وبطبيعة الحال تصدى الصهاينة لهذا المؤتمر لأنه يكشف مخططاتهم ويحشد ضدهم العرب والمسلمين، ولكن الملفت أيضا أنهم التقوا (هل صدفة؟) مع الصحافة المصرية التي شنت حملة شعواء عليه، كما تصدى له مشايخ الأزهر خوفا من أن تفتك منهم هيئةُ المؤتمر قيادة المسلمين.. آه مصر.
يمكنكم العودة إلى كتاب عبد العزيز الثعالبي، خلفيات المؤتمر الإسلامي بالقدس 1350 هـ، 1931 م، بيروت 1988.
فضيحة..
تتذكرون أولئك الذين صفقوا للسيسي، وتداولوا صورة لطفل صغير يحيي عبد الناصر، وقالوا بأن ذلك الطفل هو عبد الفتاح السيسي، نعم جماعة حمدين صباحي، ومن يواليهم في تونس، على أساس أن السيسي هو عبد الناصر الجديد الذي سيحرّر فلسطين.
وها أن النظام العسكري الذي ساهموا في تركيزه، يظهر -مرة أخرى- على حقيقته كحليف للصهيونية، والصهيوني يفضحه، فقد قال فريق الدفاع الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، بأن “مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح”.
الصحيح في الأمر أن مصر هي التي تتحكم -نظريا- في معبر رفح، ولكنها -واقعيا- أذعنت للطلب الصهيوني بعدم تمرير الماء والأدوية والأغذية والبنزين إلى غزة، وبطبيعة الحال كان ذلك خدمة للدولة العبرية. قالوا بأنه ناصري. ههههه
القانون الدولي..
البلدان العربية، ومن أعنيه تحديدا مصر والسعودية والجزائر، من صالحها أن يُضرب القانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان، حتى تفلت أنظمتها من أي مساءلة أو محاسبة. ولذلك لم تتقدم بأي شكوى ضد الكيان الصهيوني لا أمام محكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائية الدولية ولا حتى أمام هيئات حقوق الإنسان الأممية وغيرها. صمتهم المطبق، يعني أنهم يريدون أن يستفيدوا من تداعيات العدوان على غزة. في هذا الوضع، ما قامت به جنوب إفريقيا يجردهم من أي استفادة مستقبلية، إذ أعطت للقانون الدولي معناه.