عبد السلام الككلي
القضية الفلسطينية
«إن الاحتلال يترتب عنه حتما القمع. وإن القمع يواجه بالمقاومة التي ستوصف بالإرهاب»
شارل ديغول، نوفمبر 1967
أعرب العديد من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط عن أسفهم لموقف باريس من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه بادرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث للدبلوماسية الفرنسية في العالم العربي، حيث قام العديد من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط وبعض دول المغرب العربي، وفقا لصحيفة «لوفيغارو» [1]، بكتابة وتوقيع مذكرة جماعية، أعربوا فيها عن أسفهم للتحول المؤيد لإسرائيل الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، ويقول دبلوماسي فرنسي اطلع على الرسالة: «هذه ليست مزحة، ولكن في المذكرة التي لا يمكن وصفها بأنها مذكرة معارضة، يؤكد هؤلاء السفراء على أن موقف فرنسا المؤيد لإسرائيل في بداية الأزمة يساء فهمه في الوقت الحالي في الشرق الأوسط، وأنه يخالف موقفها المتوازن التقليدي بخصوص الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين». وعبر السفراء عن خشيتهم من تداعيات الموقف على مصالح فرنسا في المنطقة. ويكشف مقال الصحيفة عن انقسام داخل الخارجية الفرنسية حول موقف بلادهم مما يحدث.
وفي وقت سابق، أعلنت الرئاسة الإسرائيلية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفى في اتصال هاتفي بالرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، أن يكون قد اتهم إسرائيل «بتعمد إيذاء المدنيين»، في حين حث وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، إسرائيل على اتخاذ تدابير لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وجاء في بيان صادر عن الرئاسة الإسرائيلية – الأحد 12 نوفمبر 2023 أن ماكرون قال في اتصال مع نظيره الإسرائيلي إنه «لم يتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمدا» في غزة، في إشارة إلى تصريحات كان قد أدلى بها خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» الجمعة 10 نوفمبر وأثارت غضب الحكومة الإسرائيلية. وأشار بيان الرئاسة الإسرائيلية إلى أن الرئيس الفرنسي أوضح أن تصريحاته لهيئة الإذاعة البريطانية «تتعلق بالوضع الإنساني الذي يظل قضية مهمة بالنسبة له ولكثير من الدول». كما أشار إلى أن ماكرون أكد دعمه «لحقّ إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها وأعرب عن دعمه للحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس».[2] هذا التصريح الأخير للرئيس الفرنسي يكشف أمورا كثيرة أولها هذا الولاء شبه الأعمى (رغم تغير الموقف نسبيا في الأيام الأخيرة) لما تسميه إسرائيل بحقها في الدفاع عن نفسها بهذا الشكل المفزع وثانيهما هذا التخبط الذي تعرفه السياسة الفرنسية حيال المعركة في غزة بين الموقف والتصويب وثالثها ما يسميه السفراء الفرنسيون بالتحول المؤيد لإسرائيل الذي اتخذه ماكرون في الحرب الدائرة بين الدولة العبرية وحركة حماس، وهو الموضوع الذي سنوليه اهتمامنا في هذا المقال.
1. إرث فرنسا الديغولي
هذه الحرب أعادت في نظر كثير من الملاحظين ومن هؤلاء أستاذ القانون العام والمختص في العلوم الجيوسياسية باسكال بونيفاص [3] التساؤل حول موقف فرنسا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بعد «طوفان الأقصى» الذي شنّته المقاومة الفلسطينية ضدّ الجيش الإسرائيلي وحاول بونيفاس في فيديو نشره على اليوتيوب [4] الجواب عليه باستعراض مواقف فرنسا من هذا الصراع. وقد كان الصراع يوصف في بدايته بالصراع العربي الإسرائيلي.
يلاحظ بونيفاص في هذا السياق أن مواقف فرنسا اختلفت كليّا بين الجمهورية الرابعة ( 27 أكتوبر 1945 / 4 أكتوبر 1958) والجمهورية الخامسة التي مازالت مؤسساتها قائمة.
وسنعتمد في هذه الورقة أساسا على تحليل بونيفاس الذي لقى رواجا على شبكات التواصل الاجتماعي.
أ. الجمهورية الفرنسية الرابعة: العرب عدو مشترك لفرنسا وإسرائيل
بدأت العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا وإسرائيل فعليا في نوفمبر 1947 عندما صوتت باريس لصالح قرار الجمعية العامة الرامي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، ولكنها لم تعترف رسميا بإسرائيل إلا بعد عام من إعلان إنشائها في 1948. كان ذلك في 15 مارس 1949 بعد أن أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 273 بتاريخ 11 مايو 1949 بقبول عضوية إسرائيل.
ومهد هذا الاعتراف إلى تعاون مكثف بين الطرفين، خاصة فيما يتعلق بتزويد تل أبيب بالأسلحة النووية أو خلال أزمة قناة السويس المصرية في عام 1956:
في تلك الفترة كان يوصف الصراع في الشرق الأوسط بالعربي الإسرائيلي كما ذكر بونيفاص وكان العرب يمثلون عدوّا مشتركا بالنسبة إلى فرنسا وإسرائيل حيث كانت مصر بزعامة عبد الناصر ترفع شعار الوحدة العربية وتساند حق الشعوب في حق تقرير مصيرها. كانت مصر تقدّم المساعدات بجميع أشكالها لجبهة التحرير الجزائرية وبحسب ما أدلى به «باسكال بونيفاص» فانّ موشي دايان كان له مكتب في مقر وزارة الدفاع الفرنسية وأن فرنسا وإسرائيل كان لهما برنامج مشترك حول السلاح النووي وشاركا عام 1956 بمعية إنكلترا في الهجوم الثلاثي على مصر.
كان المقصود من هذا التحالف ضرب سياسة عبد الناصر في المنطقة ومعاقبته على دعم جبهة التحرير الجزائرية، فـي مسعى منهـما لوقـف تزويدها بالسلاح والعتاد والمال وحاولت فرنسا مع بريطانيا فرض سيطرتها على قناة السويس عسكريا، ومنع مصر من تأميمها، لكن التدخل الدولي مـن جانـب الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اجبر فرنسا وبريطانيا علـى الانسـحاب مـن المنطقة، وقد يكون ذلك بداية انحسار نفوذ فرنسا وبريطانيا في المنطقة لحساب القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في ظل حرب باردة مستعرة بينهما.
ب. التحول الدبغولي
غير أن الجنرال ديغول: دشّن بعودته الى الحكم في 1958 مرحلة جديدة في موقف فرنسا من الصراع العربي الإسرائيلي فقد أوقف التعاون مع إسرائيل في مجال السلاح النووي وكان ديغول يرى أن هذا السلاح يجب أن يبقى فرنسيا ولذلك طلب عام 1967 من الساسة الإسرائيليين عدم البدء بشن الحرب وتعهّد بالدفاع عن إسرائيل إذا هاجمها العرب لكن إسرائيل بدأت بالحرب ضد العرب واستولت على سيناء والجولان والضفة الغربية.
في ظل الهجوم الإسرائيلي على الأراضي العربية حظر ديغول تصدير الأسلحة الى دول «الشرق الأوسط» والمقصود هنا إسرائيل لأنّ فرنسا لم تكن تصدّر أي نوع من السلاح الى الدول العربية وبعد أيام قليلة من حرب الأيام الستة، عقد شارل ديغول مؤتمرا صحفيا شهيرا لإصدار مرسوم يتعلق ببيع الأسلحة لتل أبيب. ودعمت فرنسا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. وقد دخلت هذه الصياغة الجديدة في السجلات الدبلوماسية بين باريس وتل أبيب، وأحدثت شرخا وتحولا حقيقيا مع حليفتها في الحرب ضد القومية العربية في المنطقة ويرى السيناتور ورئيس مجموعة «فلسطين ـ فرنسا» في البرلمان الفرنسي سابقا جيلبير روجيه أن الجنرال ديغول تصرف على هذا النحو، لأنه اعتقد أن «إسرائيل تريد أن يكون لها موقف توسعي إلى حد ما في الضفة الغربية على وجه الخصوص، ففي ذلك الوقت لم يكن الحديث متركزا على غزة». وأضاف روجيه أن موقف ديغول كان هدفه القول لإسرائيل «كفى، توقفي، هناك حدود لا ينبغي تجاوزها».[5]
ج. جيسكار ديستان وإعلان البندقية
جاءت فترة حكمه (1974- 1981) عقب حرب أكتوبر 1973 التي شنّتها سوريا ومصر على إسرائيل فأعلن العرب حينها حظر تصدير البترول فسعى ديستان إلى التقرب من دول الخليج ليضمن تزويد فرنسا بالبترول العربي مقابل بيع الأسلحة لها.
في أواخر فترة حكمه العام 1980 جاء إعلان البندقية المعروف أيضًا باسم إعلان قمة البندقية وكان عبارة عن اتفاقً صادر عن اللجنة الاقتصادية المكونة من تسعة أعضاء في الجماعة الاقتصادية الأوروبية، التي اجتمعت في جوان 1980 بالاشتراك مع منظمة التحرير الفلسطينية. ودعا الإعلان إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي وحق منظمة التحرير الفلسطينية في الارتباط بمبادرات السلام.
أثار كلّ هذا غضب إسرائيل وغضب الطائفة اليهودية بفرنسا التي دعت في الانتخابات الرئاسية عام 1981 الى التصويت ضد جيسكار ولصالح ميتران.
د. فرانسوا ميتيران صديق إسرائيل ولكن…
يعتبر ميتران صديقا لإسرائيل وقد أثار انتخابه رئيسا لفرنسا مخاوف الدول العربية التي تساءلت عن مدى تخليه عن السياسة التي كان سطّر خطوطها العريضة ديغول لكنه واصل اتباع هذه السياسة وبعد مرور 34 عاما على تأسيس دولة الاحتلال، زار أول رئيس دولة اشتراكي للجمهورية الخامسة إسرائيل وخطب أمام الكنيست، ليؤكد أن «الشعب الفرنسي صديق للشعب الإسرائيلي». كما أنه لم يتردد في الإعراب عن تأييده لاتفاقيات كامب ديفيد ومعارضته لدعوات مقاطعة الدولة العبرية. لكنه فاجأ الحضور بتأكيده على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم قائلا إن «الأمر متروك للفلسطينيين ليقرروا مصيرهم بأنفسهم بشرط وحيد هو أن يضعوا حقوقهم في احترام حقوق الآخرين، وفي احترام القانون الدولي، وفي الحوار الذي يحل محل العنف». وأضاف أيضا للقادة الإسرائيليين إن «صداقتي معكم لا تلغي مطالبتي بتطبيق القرارات الدولية».
وترجمت تصريحاته على أنها وسيلة للاعتراف بالفلسطينيين الذين كانوا ممثلين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتبرتها السلطات الإسرائيلية آنذاك منظمة إرهابية.
وقد ساهمت هذه الزيارة في تحسين العلاقات بين فرنسا وإسرائيل، فميتران لم يخف ارتباطه بإسرائيل. رغم ما اشيع عنه انه ارتبط في شبابه بالجنرال بيتان وحكومة فيشي الموالية للنازية [6]، لكنه في الوقت ذاته لم يتنكر للرغبة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ج. جاك شيراك: « هل تريد مني أن أستقل طائرتي، وأعود إلى فرنسا؟»
انتخب شيراك رئيسا لفرنسا عام 1995 وقد علّق عليه يهود فرنسا آمالا كبيرة لاسيّما أنه اعترف في خطاب ألقاه في جويلية 1995 بمسؤولية الدولة الفرنسية في الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود زمن حكم فيشي أثناء احتلال ألمانيا لفرنسا بينما كان ديغول وميتيران رفضا الاعتراف بهذه المسؤولية التي حمّلاها لنظام فيشي بالقول أن هذا النظام ليس فرنسا.
زار شيراك القدس في ديسمبر 1996 وضايقه الأمن الإسرائيلي مانعا إيّاه من المشي بحرّية في شوارعها فصرخ محتجّا على جندي إسرائيلي وهدّد بالعودة إلى بلده. عرف شيراك منذ ذلك الوقت بعبارته الشهيرة «هل تريد مني أن أستقل طائرتي، وأعود إلى فرنسا؟» بسبب استيائه من منع أجهزة الأمن الإسرائيلية المواطنين الفلسطينيين من الاقتراب منه أو التحدث معه خلال زيارته للبلدة القديمة.
وقد وصف «باسكال بونيفاص» هذا الحدث بالمشهد الأسطوري Scène mythique ولاحظ أنّه نال إعجاب العرب وكسب به شعبية في عديد البلدان العربية خاصة انه يؤكّد أنّ الصراع العربي الفلسطيني حلّه يكمن في وجود دولتين جنبا الى جنب متعايشتين Deux Etats vivant côte à cote.
وعلق جيلبير روجيه على هذه الفترة التاريخية بالقول إن «الرئيس جاك شيراك لم يكن شخصا يتحمل الادعاءات الكاذبة، فقد وجد أن خطابه بعيد كل البعد عن الإجراءات الحقيقية التي نفذتها السلطات الإسرائيلية على أرض الواقع. وهذا هو ما دفعه إلى إلقاء خطاب بلهجة حازمة». [7]
2. هل تنكرت فرنسا لإرثها الديغولي ؟
بدأت بوادر تغيّر سياسة فرنسا تجاه هذا الصراع منذ عام 2005 عندما زار شارون فرنسا والتقى بالرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي خفض نسبيا من حدة مواقفه القديمة من الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن واجهت فرنسا حملة شديدة تتهمها بمعاداة السامية لاسيّما في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية ومفاد هذه الحملة أن مساندة مسؤولي فرنسا للفلسطينيين مبنية على معاداتهم للسامية. وقد كان الوزير الأوّل الإسرائيلي إرييل شارون دعا يهود فرنسا إلى الهجرة إلى إسرائيل ثمّ زار فرنسا يوم 06 جويلية 2005 وكان موضوع مكافحة معاداة السامية موضع خلاف بين فرنسا وإسرائيل في 2004 بعد أن شجع الزعيم الإسرائيلي اليهود الفرنسيين على الهجرة «عاجلا» الى الدولة العبرية. وقال شارون في باحة الإليزيه حين استقباله من قبل جاك شيراك «إنني على ثقة بان هذه الزيارة ستتيح تقاربا بين البلدين وإحراز تقدم في عملية السلام التي تكتسي أهمية كبرى بالنسبة إلينا في الشرق الأوسط». وتوجه شارون «بالشكر الى الرئيس الفرنسي لمكافحته معاداة السامية بشكل حازم جدا» واصفا الرئيس شيراك بأنه «أحد كبار قادة العالم».
أ. نيكولا ساركوزي صديق إسرائيل
يعتر نيكولا ساركوزي صديق إسرائيل وصوّت له يهود فرنسا غير انه كان يؤكّد في خطبه أمام السفراء الأجانب على ضرورة السلام وأن مواصلة الصراع يغذّي الإرهاب وكان وصف «نتنياهو» بالكاذب.
ب. فرنسوا هولاند
تضمن برنامجه الانتخابي الاعتراف بالدولة الفلسطينية غير انه شطّب على جملة الاعتراف بفلسطين في أوّل خطاب له أمام السفراء الأجانب وكان أعدّ له الكلمة مستشاره الديبلوماسي «جاك أوديبار» Jacques Audibert.
ج. ماكرون يسيء الى صورة فرسنا في العالمين العربي والإسلامي
عقب معركة طوفان الأقصى زار ماكرون تل أبيب ورام الله وعمان والقاهرة هناك شوّه ماكرون ذاكرة فرنسا التي رسمها ديغول وميتران وشيراك في أذهان العرب، كما ذكرنا وتعامل معها بإنكار كامل،
لم يلتفت إلى خطاب ديغول في ستة 1967 عن الصراع العربي الإسرائيلي وموقف شيراك في القدس ورام الله، واهمل خطاب فرانسوا ميتران.
لذلك، يمكن القول «إن حصيلة مواقف ماكرون أفقدت باريس إمكانية التواصل بين نخبها، ما بين داعمي إسرائيل وداعمي القضية الفلسطينية، حيث وصلت إلى نقطة القطيعة، فالطرف الأول يطالب بإدانة الجريمة، فيما الطرف الثاني يطالب بمراجعة السياق الذي سبق الجريمة، ويبقى القلق أن تمتد القطيعة داخل الاجتماع الفرنسي، ما قد يؤدي إلى نهاية الجمهورية الخامسة»[8].
ويؤكّد بونيفاص على ضراوة الحملة التي تعرضت لها فرنسا بسبب اتهامها بمعاداة السامية في فترات مختلفة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والمقصود بها معاداة اليهود وتأثير الحملة السلبي على سياسة فرنسا الخارجية فقد أصبحت فرنسا الدولة النووية تخشى دائما إثارة حملة معادة السامية ضدّها فغيّرت بسبب هذه الحملة موقفها من الصراع الذي فشلت في شأنه جميع مخططات السلام.
ويتهم بونيفاص الدول الغربية بسياسة المكيالين فيما يخص ما يحدث الآن في غزة فقد سارعت بإدانة روسيا في حربها مع أوكرانيا واتخذت ضدها عقوبات اقتصادية الغاية منها إضعاف الاقتصاد الروسي لكنها لم تدن هجمات إسرائيل الوحشية على المدنيين الفلسطينيين وعلى البنى التحتية الفلسطينية من مستشفيات ومدارس ولم تتخذ ضدّها عقوبات اقتصادية ويرى أن هذه الدول لا تريد البتة الضغط على إسرائيل ولا تريد اتخاذ عقوبات ضدّها فإسرائيل حليفة الأوربيين في المنطقة ويرى أن فرنسا قد تجد نفسها في عزلة إذا ضغطت بمفردها على إسرائيل.
ويكشف بونيفاس أن أوروبا تتمسّك في العلن بنظرية الدولتين (دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل) لكن في السرّ يقول مسؤولوها أن هذا الحل لم يعد ممكنا ويصف هذا السلوك بالنفاق.
في خلاصة لم تغير فرنسا رسميا موقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكن غيّرته عمليا ففقدت بذلك في المدة الأخيرة خاصة كثيرا من شعبيتها في العالم العربي الإسلامي وقد نبه السفراء الفرنسيون إلي مخاطر كل ذلك على مصالح فرنسا في الشرق الأوسط والعالم العربي في رسالتهم الأخيرة إلى إيمانويل ماكرون.
هوامش
[1] Conflit Israël-Hamas: des ambassadeurs au Moyen-Orient manifestent leur inquiétude Par Georges Malbrunot Le Figaro international. Publié le 13 / 11 / 2023
[2] ماكرون يوضح لهرتسوغ: «لم أتهم إسرائيل بإيذاء المدنيين عمدا» الشرق الأوسط 12 نوفمبر 2023
[3] خبير فرنسي في العلوم السياسية والقانون العام ومدير معهد العلاقات السياسية والإستراتيجية ( (Iris) : انتمى الى الحزب الاشتراكي الفرنسي وغادره بعد أن وقع إقصاؤه من منصب المندوب القومي للعلاقات الإستراتيجية. وقع شيطنته من قبل «أصدقاء إسرائيل» بسبب رفضه الانحياز الفرنسي لإسرائيل على حساب الفلسطينيين. اتهم بمعاداة السامية وأجاب على الاتهامات الموجهة إليه في كتاب بعنوان «ضد السامية» Antisémite نشر في 2008 معتبرا أن اليمين المتطرف الصهيوني يقف وراء الحملة التي شنت ضده بسبب موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي.
[4] La France a-t-elle changée de politique sur le conflit israélo-palestinien ? Pascal Boniface. Vidéo publié Le 20 / 10 / 2023
[5] من ديغول لماكرون.. كيف تحول موقف فرنسا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ الجزيرة 31 أكتوبر 2023
[6] خلال فترة حكمه وربّما لغاية الضغط عليه أثيرت مسألة تعامله مع نظام «فيشي» للمارشال «بيتان» الذي ارتبط بألمانيا النازية واضطهد اليهود. وبحسب صورة نشرت وقتها استقبل المارشال بيتان ميتران الشاب بمقر الحكومة يوم 15 أكتوبر 1942 بعد ثلاثة اشهر من حملة «رافل» قام بها البوليس الفرنسي ضد اليهود وتوفي الكثير منهم في محتشدات الموت النازية.
[7] من ديغول لماكرون.. كيف تحول موقف فرنسا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
[8] مصطفى فحص «فلسطين ــ ماكرون وإرث الجمهورية الخامسة» الشرق الأوسط 27 أكتوبر 2023