زهير إسماعيل
تقدير: الحديث عن غزة بعد الحرب قبل إيقاف الحرب جزء من الحرب على غزة، ولكنه في هذه الساعات الأخيرة إقرار ضمني بانكسار الاحتلال النازي وإصرار على احتواء هزيمته.
في حرب الإبادة التي يشنها الكيان بطيرانه على غزّة منذ شهر:
لا يمكن تخيّل سقف للجريمة أعلى من السقف الذي بلغه جيش الاحتلال النازي في غزة. وقد بلغ منتهاه بالحرب على المدارس والمستشفيات : قتل موظفي الأمم المتحدة وقتل المرضى والجرحى، وإعادة قتل الشهداء في المسجين ردهات المشافي.
ولا يمكن تخيّل عذابات أهل غزة، ولا صبرهم. منتهى الإجرام يقابله منتهى الصبر والصمود والتشبث بالأرض.
الحرب البرية التي يشنها منذ أسبوعين:
أصبح أعلى طموحه أن يظفر بصورة أو بمقطع فيديو يوهم من خلاله نفسه وجمهوره بأنه حقّق ولو قليلا مما رسم من أهداف ميدانية.
في هذه الحرب واجه تصدّيا أول على مداخل غزة منع تقدمه وكبده خسائر معتبره، وتصديا ثانيا عندما تسلل إلى غزة وحاول عزل شمالها عن جنوبها كانت خسائره جسيمة. وهذا موثق من قبل إعلام المقاومة العسكري وقد بث منه لقطات مذهلة. وحصيلة المواجهة منذ شن الهجوم البرّي 160 دبابة ومدرعة وجرافة وهو ما يساوي لواءين مدرعين من النخبة في جيش العدو.
والمقاومة التي تطلق المسيرات والصواريخ على المستوطنات بما فيها تل أبيب بنسق متواصل لم يضطرب منذ اندلاع المعركة، لم تقل كلمتها الأخيرة في المواجهة البرية. ويبدو أنّها تدّخر من قوة النخبة القتالية ما سيضاعف من حجم خسائر العدو وقد يلجئه إلى الانسحاب من غزة.
حين نقابل بين منتهى الإجرام ومنتهى الصبر والصمود تكون النتيجة أنّ لحظة الانحدار في منحنى المعركة قد بدأت. وهي لا تعني إلا شيئا واحدا بداية اندحار العدو وانكساره.
هذا بمعزل عن أزمة العدو الداخلية وضغوط شارعه عليه في موضوع الأسرى، وبمعزل عن تململ شركائه في الجرم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وتورطهم في بناء قاعدة للحرب خارج كل القوانين والمواثيق، ومن ثم التورط في جرائم حرب وإبادة موثقة لا تسقط بمرور الزمن.
وبمعزل كذلك عن التحولات المهمة في شوارع العواصم الغربية الكبرى، وبداية تحررها التدريجي من السردية الصهيونية التي سلمت بها على مدى سبعة عقود.
فهذه عوامل، إلى جانب بلوغ العدو النازي منتهى الإجرام، تجعل منه المنهزم في هذه المعركة بكل معاني الهزيمة. فالكيان سقط ولم يبق منه إلا آلة قتل غير قادرة على تحقيق هدف واحد مما ضبط.
أعطي الفرصة لتنفيذ جرمه، ولم يعد ممكنا، أمام صمود المقاومة، منحه وقتا أكثر لعدة أسباب ليس منها سبب واحد على بالقيم والأخلاق والسلم وحرمة الذات البشرية.
في هذا السياق يسجّل التركيز هذه الأيام وفي هذه الساعات على غزّة بعد الحرب. ولئن كان الحديث عن غزّة بعد الحرب من قبل شركاء الكيان وحلفائه لا يخرج عن الحرب على غزة، فإنّه يكشف عن خلاصة انتهوا إليها بأنّ المعركة في حدودها الحالية قد حُسمت، ولا أفق لها إن تواصلت إلا أحد أمرين :
- خسارة مدوية في المعركة البرية وانكسار مذل يمنحان المقاومة برفع الصوت عاليا : غزّة لأهلها. وهو ما سيمنع كل محاولات الالتفاف على انتصارها والتخفيف من هزيمة الاحتلال النازي بما يطرح من حلول استباقية الآن حول مصير غزة خارج إرادة أهل غزة ومقاومتها (تحت الإدارة الأممية، تحت سلطة عباس الخائنة).
- توسيع نطاق الحرب إقليميا أو باستعمال السلاح النووي الذي يبدو مستبعدا. لأكثر من سبب منها أسباب شركاء الكيان في الجرم فإن وضع ناتنياهو الشخصي وخروج الكيان منكسرا كافيان لتوقع أهوال أعظم وكوارث أكبر.
خلاصة: تتحدّد النتيجة النهائية لكلّ العوامل المتفاعلة في هذه المعركة التي تواجه فيها غزة العالم وحيدة بصمود المقاومة من عدمه.