زهير إسماعيل
إعلان وقف الحرب على غزة له معنى سياسي واحد هو انتصار المقاومة.
وله نتيجة ميدانية عسكرية واحدة هي الانكسار الثاني والأخطر للكيان وهزيمة جيشه.
ونتانياهو هو أكثر من يدرك هذه الحقيقة المرتبطة بنهايتين: نهايته هو السياسية ونهاية جيشه. وهما نهايتان قد تتزامنان وقد تتعاقبان. ولذلك يصرّ، ومن ورائه، الإدارة الأمريكية، على التمادي في جرمه وتقدّمه نحو الهاوية.
لقد ورّط نفسه وجيشه والكيان وحلفاءه في هدف عسكري/سياسي مستحيل التحقيق: القضاء على حماس. وهو يعرف، قبل غيره، أن محو غزّة من على وجه الخريطة لن يحقق هدفه. فحماس وفكرة المقاومة والحق الفلسطيني في كل شبر من الضفة، وفي كل زقاق في القدس، وفي كل حجر من أحجار الأقصى.
ورغم آلام غزة وجراحها النازفة وما صُبّ عليها من حمم يعادل قنبلتين نوويّتين فإن عدوها يألم أكثر. فهو إلى جانب عجزه عن تجاوز انكسار 7 أكتوبر، يواجه المأزق الذي وضع فيه نفسه: إن تقدّم انهزم وإن تأخر انهدم. والهجوم البري الذي سوّغ به إجرامه المتواصل قد يضاعف من مأزقه. فأخبار الجبهة عن صمود فتيان القسام والمقاومة وما تلقاه فِرَق جيش العدو وآلياته من استهداف مباشر يمنعها من التقدم ويجبرها على التراجع عن مئات الأمتار القليلة التي قطعتها مذعورة.
أخبار المعارك الضارية في شمال غربي غزة وجنوبها تشير إلى تراجع جانب من قواته إلى نقاط انطلاقتها. ويمثل عدد القتلى المرتفع من جنوده عامل ضغط يضاف إلى ضغط شارعه المطالب بأولوية تحرير الأسرى، وضغط شوارع في أوروبا والعالم وتحركه المتناسب تصاعده مع الانكشاف المتواصل لحقيقة الجرم الصهيوني.
بعض الخبراء الإسرائيليين بدأوا يستشعرون أنّ الكيان “قد استُدرج إلى أخطر مواجهة في تاريخه، وكان بإمكان ناتنياهو أن يردّ ردّا محدودا ويتراجع ليفسح المجال لاستعداد مخطط ومتأن للقضاء على حماس”.
ولكنه اندفع في معركة لم يختر توقيتها. وغرّه الدعم الأمريكي. دعم غير محدود كان هدفه الأول منع تطور الانكسار إلى حالة انهيار.
ويبدو أنّ بايدن لم يكن أقلّ هوجا واندفاعا من ناتنياهو حين منح نتنياهو ضوءا أحضر لتخطي كل القوانين الدولية والمواثيق المتعلقة بالحروب. ورغم تخاذل العالم ومنظماته الأممية وسكوتها عن إبادة جماعية تنقل على الهواء على مدى شهر، فإن تململًا متصاعدا صار يقض مضجع بايدن وكل من شاركه في الجرم.
وبدأت تطفو على سطح الصحافة الأمريكية أخبار من داخل الإدارة الأمريكية عن عدم ارتياح في أوساطها لاندفاع بايدن وفريقه غير المحسوب.
الولايات المتحدة هي التي تقود الحرب على غزة، وهي وحدها القادرة على إيقافها. وهي أن جيش الكيان سقط ولم يبق منه سوى آلة القتل. هذا هو الوجه الوحيد الذي يراه به جلّ العالم اليوم. وإن كان بالنسبة إلى أهل فلسطين هو آلة قتل منذ أن كان عصابات إجرام في أربعينيات القرن الماضي (الهاغانا وشتيرن…).
وما يدفع الولايات المتحدة إلى عدم إيقاف العدوان هو محاولاتها الأخيرة جمْع من قد يسعفها بالتغطية على جريمة الكيان وبذل كل الجهد للالتفاف على انتصار المقاومة، وهي تعلم أن الوقت يعمل لصالح مدينة مقاتلة ترد بأدوات محلية عدوان قوى عظمى بطيرانها وأساطيلها.
لحشود الشارع المتعاظمة في العواصم الكبرى دور مؤثر بلا ريب، ولكن صمود المقاومة ونجاحها في كسر إرادة الجيش الغازي ميدانيا هو العامل الحاسم. إنّه وإن خرجت كل الدنيا محتجة على جريمة الإبادة الجماعية فإن مجرما مورطا مثل ناتنياهو لن يتراجع إلا بانكسار جيشه على أرض غزة.
والله مع الصابرين