ما يحدث في غزة الآن يربك استراتيجيات الجميع
عبد الرزاق الحاج مسعود
يبدو أن ما يحدث في غزة الآن يربك استراتيجيات الجميع من دون استثناء. بدءا بالقوى الكبرى أمريكا والصين وروسيا، مرورا بالقوى الإقليمية إيران وتركيا، وصولا إلى طرفي الصراع المباشريْن الكيان القذر والمقاومة الأسطورية.
الكفاءة الحربية المفاجئة التي أثبتتها المقاومة يوم 7 أكتوبر وتواصل ترسيخها بتدرج مبهر أربكت عدوا اطمأن عقودا إلى تفوقه التكنولوجي الخارق واضطرت راعيته/خادمته أمريكا إلى التدخل الفوري منذ اليوم الأول.. ثم إلى التجرد السريع من أدنى ارتباط بالمواثيق السياسية والقيم الحضارية والولوغ المباشر في جريمة إبادة جماعية تنقل للعالم على المباشر. لماذا؟.. لأن أمريكا استثمرت طويلا في الكيان القذر وأوشكت أن تتوج مسار تطبيع وجوده في محيط عربي طوّعته بالكامل عبر أنظمة عمالة وشبكة استتباع اقتصادي ومالي وثقافي نهائي، فجاء طوفان حماس ليهزّ كل هذا المسار من جذوره حين ضرب في قلب الشبكة.. أي في داخل الكيان نفسه.. فكان عليها أن تتدخل لإنقاذ استثمارها.. قبل أن تكتشف الآن أنها قد تجد نفسها مخيرة بين أن تتخلى عن الكيان وتتركه يسقط وحده.. أو تدشن معه مسار سقوطها. وها هي تتخبط فعلا في بركة الدم الفلسطيني وفي بئر الجريمة.
الصينيون والروس أيضا ارتبكوا جدا من معركة الطوفان المفاجئة. ورغم أن الروس فرحوا بانفتاح جبهة حرب جديدة تشغل الأمريكان عن جبهة أوكرانيا وتضعفهم بالضرورة، إلا أن خطتهم لا تمر بتاتا عبر حماس بالذات، ولا عبر زوال الكيان القذر. هي تريد استمالة الكيان وتوظيفه لا زواله.
الصين أيضا تعمل على وراثة الإمبراطورية الأمريكية عالميا، ولكنها لا تضع في خطتها مواجهة عسكرية مهما صغر حجمها في المدى المنظور. يكفي أنها تقبل باحتلال أمريكي لتايوان التي تعتبرها أرضا صينية وتدير ذاك الملف بـ “حكمة صينية” ليس من ضمنها الحرب. خطة الصين هي القضم الوئيد لشبكة اقتصاد العالم وبالتالي للهيمنة الأمريكية.. بمثابرة فأر.
إيران أيضا ارتبكت. بنت خطتها القومية على ثوابت إقليمية منها النظام السوري والخارطة المذهبية في العراق واليمن. التقت موضوعيا مع المقاومة ولكنها لن تقبل أن تزج بها حماس في معركة “نهائية” لم تختر هي توقيتها أو لا تراها مناسبة الآن لسبب ما يخصها. لذلك هي مترددة جدا.
تركيا أيضا كانت تقريبا على وشك الانتهاء من استبدال خطة تزعّم مسار “الاستئناف الإسلامي” في مواجهة الغرب وعملائه السعودية ومصر أساسا بخطة الاقتصاد في خدمة المشروع القومي التركي. جاء الطوفان فوضع أردوغان أمام حالة انكشاف قيمي كامل. فاضطر إلى بدء تراجع “كلامي” ثقيل ومرتبك.. وركيك أمام هول الإبادة الجارية…
تعبت… تبا.