مقالات

رهانات وموازين.. ووعد سماء

نور الدين الغيلوفي

ميزان القوّة الغاشمة:
يقول إنّ دولة العدوّ أقوى من المقاومة، فهي تملك أعتى الأسلحة ولديها جيش من أقوى جيوش العالم،
ميزان العناد المقاوم:
المقاومة تعرف تلك المعطيات أم لا تعرفها؟
لولا أنّها تعرفها لما تجرّأت لتصنع واقعا لا تستسلم فيه لمعادلة القوّة المحسومة لصالح العدوّ، ولذلك أنجزت ما أنجزته يوم 7 أكتوبر 2023 بكلّ تلك البراعة التي شهدها العالَم.

المقاومة
المقاومة

المعادلة، إذن، لا تحكمها القوّة، فقد هزم الأضعف الأقوى في لطمة تاريخيّة قد يبقى لها أثرها البعيد على مستقبل الطرفين.
هزم الأضعف الأقوى في:

  • في حسن الإعداد والاستعداد
  • في الخداع الاستراتيجيّ
  • في السريّة المطلقة
  • في المباغتة
  • في وضوح الأهداف
  • في دقّة الأداء
  • في سرعة الإنجاز.

تابعتُ أحاديث المحلّلين والمختصين في العلوم الحربية والعسكريّة والاستراتيجيا، فتساءلت إن كان عمل المقاومة بصفر من الأخطاء. هذا سيكشفه عقل المستقبل البارد.

نصدّق جيش العدوّ في تهديده بسحق المقاومة، لأنّه يملك، حقيقةً، ما به يهدّد، ولكنّنا نصدّق المقاومة في وعد صمودها، وحجّتنا في تصديقنا ما سبق من حسن إنجازها وروعة انتصارها.. وفي استمرار عملها رغم كلّ هذا الخراب الأعمى من عدوّ أضاع مائزته.

تأجيل الاجتياح البرّي فيه مزيد من الخراب، والخراب مرعب للمشاهدين فما ظنّك بالمعانين، ولكنّه لن يحسم المعركة عسكريّا. العدوّ يراهن على أنّ الأهالي سيغضبون ويثورون على المقاومة ويُسلمونها إليه ينتقم منها كما يشاء.. وقد تبلغ به عنجهيته، في سبيل ذلك، أن يقضيَ على كلّ سكّان غزة فلا يبقى له غير المقاومين داخل الأنفاق ينفرد بهم بعد ذلك.. يخرجون إليه من أنفاقهم مستسلمين رافعي أيديهم يعرض هزيمتهم أمام عدسات العالم ثمّ يأخذهم إلى حيث يجيد الانتقامَ منهم.. كما تشتهي شريعته الدمويّة.

ولكنّ للمقاومة رهاناتها، والضيق الذي يصيبها يعاني العدوّ أضعافه.
فالعدوّ يتضرّر اقتصاديّا وعسكريا ونفسيّا وإعلاميا وأخلاقيا.

• يتضرّر اقتصاديا، فهو، إلى جانب نفقات الحرب يستدعي قوات جيش الاحتياط التي يفوق عدد أفرادها ضعفي الجيش النظاميّ، وتلك القوات تصرفها مشاركتها في الحرب عن أعمالها في مختلِف القطاعات، ويؤثّر ذلك على الاقتصاد.

• ويتضرّر عسكريا، بما يخسره من جيشه ومن عتاده، وذلك ما لا يملك أن يقدّره قبل الدخول في المعركة. قد يتّفق الطرفان السياسي والعسكري على تحديد موعد بدء اجتياح غزّة ولكنّهما لا يملكان تحديد نهاية له، فما لا تعرفه قيادة العدوّ يبدو أكبر ممّا تعرفه.

• ويتضرّر نفسيّا، نتيجة الهلع الذي أصاب سكّانا تركوا بلدانهم الأصليّة وجاؤوا إلى جنّة وَعْدِهِمْ لينعموا بالرخاء، فقلبت المقاومة حياتهم إلى جحيم لا يطيقونه، وذلك ما تفسّرة أمواج الهجرة المضادّة.

• ويتضرّر إعلاميا، فلقد استنجد بالأكاذيب ليخفيَ فشله ويداريَ قبحه ويشوّه المقاومة، غير أنّ سحره سرعان ما انقلب عليه. فقد أظهرت شاشات العالَم توحّشه، وصارت الأعلام الفلسطينية في كلّ مدن الدنيا، وسمع بالقضيّة من كان غافلا عنها.

• ويتضرّر أخلاقيا، من مشاهد الأشلاء التي يراها العالم بسبب قصفه الوحشي لمدينة غزّة.. فلا سبب يبيح قتل الأطفال الأبرياء، عند العقلاء. وقد بات أطفال غزّة بنك أهداف وحيدًا لعدوّ أعيته المقاومة فانتقم في الأطفال. القوّة لا يترجمها قصف المباني الأعمى ولا زهق أرواح الآمنين. المحارب الذي يقتل المدنيين بدعوى اختباء المحاربين بينهم عاجز، والعجز لا يأتي بانتصار.

أمّا ضرر العدوّ الوجوديّ فمأتاه من علاقته بالغرب الاستعماريّ.

الغرب يرى في دولة الكيان حاملة طائرات يفعل المستحيل لأجل أن تنتصر على المقاومة بدعمها عسكريّا وديبلوماسيا وإعلاميا وبكلّ الأسباب التي تبقي عليها أقوى من دول جِوارِها كما كان يفعل من يوم زرع كيانه الاستيطاني في فلسطين، ولكنّ ثبات المقاومة الأسطوريّ ورباطة جأش المقاومين وحسن إدارتهم للمعركة قد ينتهي بالغرب الكفيل إلى اعتباره دولته الوظيفيّة عبئا عليه، لا يأتي منها ما يعوّض خسارته عليها.

حين تعجز دولة الكيان عن أداء وظيفتها المرسومة لها لن يُبقيَ الغرب على دعمها. وهل من عاقل يدعم متجرا لا يأتي الربح منه؟ ومن الذي يحتفظ بمدفع لا يؤدّي وظيفته؟

الحرب في غزّة إنّما هي بين المقاومة فيها وبين دول الغرب الاستعماريّ كلّه، وما دولة الكيان سوى ذراعٍ يبطش بها. المقاومة تصارع الأعداء وحدها تلقى القصف من العدوّ المباشر يسنده العدوّ الذي يكفله، ولا كفيل لها ولا من ظهر يسندها فقد خذلتها دول العرب مجتمعة إلّا من بلاغات هزيلة لا ترفع انقاض مبنى يسحق طفلا يستصرخ ولا من مُصرخ له غير ربّ السماء.. وما دخلت غزّة في معركتها إلّا لأن بينها وبين السماء أسبابا ووعدًا.

والسماء لا تخلف وعدها.
لك الله يا غزّ هاشم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock