تدوينات تونسية

الإحتفال بالمولد النبوي ثقافة مجتمعية

سمير ساسي 

لا يؤثر النص أي نص في حياة المؤمنين به ما لم يكن واقعا معيشا لذلك قال عبد الله بن مسعود: كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نتعلمهن ونعمل بهن، ونعلمهن، ونعلم حلالهن وحرامهن، فأوتينا العلم والعمل وتورد بعض الروايات أن عمر بن الخطاب حفظ البقرة في اثني عشر سنة.

وتثبت التجربة التاريخية البشرية عموما أن كل النظريات مهمها كانت متناسقة ومبدعة حلول تبقى حبيسة الكتب والرؤوس ما لم تتوفر لها آليات تنزيل تجعلها واقعا يلمسه الناس سواء بالسلطة أو الثقافة المجتمعية الشعبية.

الربا مثلا لا خلاف في قطعية تحريمه لكن السلطة فرضته على مجتمع فقد كل مقومات الدفاع الذاتي لتكريس تحريمه
الإحتفال بالمولد النبوي الشريف على صاحبه افضل الصلاة وازكى السلام هو بحكم التاريخ ثقافة مجتمعية بصرف النظر عمن كان وراء إنتاجها (أشكك في صحة الرواية التي تنسب ذلك للدولة الفاطمية في تونس لأن الشيعة لا سردية لهم تعلو فوق سردية مقتل الحسين) وهذه الثقافة المكتسبة لا يزيلها نص مهما كانت قوته الرمزية ومن المهم هنا الانتباه الى أن الأحكام في القرآن نزلت متأخرة بعد وجود الألية الكفيلة بتنزيلها سلطة ومجتمعا.

فمن العبث الآن الوقوف عند معركة التبديع والشرعنة بين فريقي المسلمين عن المولد لأن هذا الأمر سيستمر ما لم توجد ثقافة اقوى وغالبة بمنتوج معنوي يملأ الفراغ الروحي الذي يعانيه المجتمع في علاقة بالدين وهو أمر يستوي فيه الفريقان فالذين يبدعون الإحتفال سيظلون عاجزين عن إزالة الإحتفال ما لم يستقووا بالسلطة (طبعا الاستقواء بالسلطة لا ينجح إلا من حيث أن له قدرة على إنتاج ثقافة أخرى مهما كانت طبيعتها أما القوة في حد ذاتها لا تغير الثقافات وإنما تحجبها الى حين) أو ينتجوا ثقافة أخرى اقوى تسود والذين يحرصون على الإحتفال لن يقدروا على تجاوز حملات التبديع مالم يجاوزوا مرحلة الإحتفال الفلكلوري الذي فقد الروح بحكم الروتينية.

أن الفريقين يعيشان حالة جمود ويتخاصمان في المفاهيم وبقدر خصامهم يبتعدان عن النص الذي يأملون العيش في كنفه لكن أثر الثقافة المعيش أفضل من قول نظري محلق في الفضاء.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock