الكوميديا السّوداء في مواجهة بروباڨندا الأوهام
صالح التيزاوي
ضجّت وسائل التّواصل الإجتماعي بكثير من التّعليقات السّاخرة التي لا تعكس عدم اكتراث المواطن لما يقال وحسب، وإنّما هي من باب التنفيس عن مشاعر الإحباط، تجاه تعامل السّياسة مع واقع اجتماعي واقتصادي، يزداد تأزّمه يوما بعد يوم. وبينما يريد المواطن حلولا عاجلة تسهّل حياته، تأتيه أنباء عن الأقاليم واستكمال البناء القاعدي وانتخابات محلّيّة.
ألم يقل شرّاح “تصحيح المسار” ومفسّروه في سياق التّبرير لإنهاء الإنتقال الدّيمقراطي وغلق قوس الثّورة، ألم يقولوا “إنّ الدّيمقراطيّة ليست مجرّد الذّهاب إلى صناديق الإقتراع”؟ وهم يشيرون إلى فشل الإنتقال الإجتماعي والإقتصادي، فما الذي تغيّر بين الأمس واليوم؟ خسرنا انتقالا ديمقراطيّا متعثّرا، كان بالإمكان إصلاح أعطابه ولم يتحسّن الوضع الإجتماعي والإقتصادي. تقول تجارب التّاريخ القريب في المنطقة العربيّة أنّ مصادرة الحرّيّة من أجل الخبز، كثيرا ما أدّي إلي خسرانهما معا.
بالعودة إلى مسألة الأقلمة، فهي ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى بداية القرن العشرين. ثمّ أدخلت عليها دولة الإستقلال تغيرات لتستقرّ كما عرفناها، شمالا ووسطا وجنوبا. أما عمليّا، فقد استقرّت على سواحل حظيت بشيء من التّنمية وقواحل مفقرة ومهمّشة، تعتمد في عيشتها على الخصائص الطبيّعيّة للجهة دون اجتهاد من الدّولة لتطويرها، فاضطر سكّان المناطق الدّاخليّة إلى الهجرة داخليّا وخارجيّا، مدفوعين بشعور الحرمان والقهر الإجتماعي.
بعد الثورة وفي إطار ردم الهوّة بين الجهات اجتماعيّا واقتصاديّا طرحت من جديد فكرة الأقاليم، ولكن الصراعات السّياسيّة أبقت عليها حبرا على ورق وضاعت الفرصة كما ضاعت فرص أخرى لتغيير منوال التنمية المجحف بحقّ المناطق الدّاخليّة.
اليوم وبعد عامين من إلغاء مسار الإنتقال الدٍيمقراطي، تعود سلطة 25 جويلية إلى إسقاط “الاقلمة”، دونما حوار مجتمعي وسياسي معمّق ودونما مراعاة للأولويّات. أليس الواقع الإجتماعي والإقتصادي أولى بالمعالجة ؟ ثمّ أليست حيرة المواطن إزاء واقعه المعيشي أولى بالمعالجة من التّمكين لمشروع “البناء القاعدي” الذي لا نعلم له سميّا في قريب المكان والزّمان ولا في بعيدها للحكم له أو عليه؟