تدوينات تونسية

حلوى الأقاليم

نور الدين الغيلوفي

  1. لأهلنا في الجنوب طرائف يرويها بعضهم في بعض.. وممّا يُروى أنّ قرية انقلبت شاحنة كانت تمرّ بها تحمل سمكًا، فهرع أهلها إلى السمك يجمعونه وتركوا السائق في دمائه لا يلتفت إليه منهم أحد، ولمّا صاح فيهم عابر طريق “كيف تتركون البشر وتجمعون السمك؟” أجابه أحدهم “هاكا (البشر) يصبر، وهذا (السمك) ما يصبرش” !

  2. يُروى لعليّ بن أبي طالب قولٌ في ترتيب الأولويّات جاء فيه:
    «اجتهدوا أن يكون زمانكم (يومكم) أربع ساعات: ساعة لطلب المعاش، وساعة لمناجاة الله، وساعة للقاء بإخوانكم الثقات الذين يُعرِّفونكم عيوبكم، وساعة لملذّاتكم في غير محرّم وفي هذه الساعة تقدرون على تلك الساعات»
    وقد قدّر بذكائه الفطريّ أنّ طلب المعاش مقدَّم على مناجاة الخالق، من باب تقديم الأهمّ على المهمّ”.

  3. حاكم الزمان في قرية تونس الموقّرة قلب سلّم الأولويات رأسا على عقب واتّبع، من أوّل يومه، خطّته التي جاء لأجلها لا يغيّرها لعارضٍ ولا يعدّلها لحادث، كأنّ الطقس واحد لا يتبدّل ودرجة الحرارة ثابتة وكأنّ الزمان لا يأتي عليه بما يأتي على الأحياء. وجد مشاكل بحجم الجبال، استعملها لمهاجمة خصومه، وبدل أن يعمد إلى حلّها ذهب في مراكمتها لكي يغرق الناس في ما يمنعهم من التفكير أو الاعتراض، ويجد هو طريقه سهلة يفعل بهم ما يريد، ولا رقيب.

  4. حين جلس على الكرسيّ صرف كلّ همّه إلى الاستيلاء على جميع السلطات كما لا يقول الدستور الذي أقسم على احترامه واضعا يده على القرآن أمام سكّان الكرة الأرضيّة كافّة.. أخذ يتمدّد ليبسط سيطرته على كلّ شيء.. وبينما كان الكوفيد يحصد أرواح التونسيين كان هو منشغلا بالقوات المسلّحة يبسط عليها سلطانه، وقد رآه الناس يقفز من ثكنة للجيش إلى مخفر للحرس مرورا بمقرّ وزارة الداخليّة لا يكاد يغفل عنه.

  5. كان الناس يموتون وكان هو منشغلا بمقولة “الرئيس الواحد للدولة الواحدة”. وبينما كان الأوكسيجين ينفد من المشافي المداوية كان هو يرتّب آخر فصل من انقلابه على الدولة ومؤسساتها.. يوم 24 جويلية ذهب إلى المتلوّي فوقف على نفاد الأوكسيجين والتقط له صورة مع الأوعية الفارغة وتباكى على الناس الموجوعين، وحين عاد إلى قصره نسي الأوكسيجين وأعمل الفصل ثمانين وأعلن عن انقلابه.. وبقي الناس يموتون من فقد الأوكسيجين في العتمة ولا عدسة لتصويرهم.

  6. كانت مواد الحياة الأساسيّة تختفي وكان هو منشغلا بكتابة دستوره.. كانت الأسعار تشتعل وكان يطفئها بتصحيح أخطائه في نصّ دستوره الذي كتبه وحده بلا رقيب مربِكٍ. كانت طوابير الواقفين على الخبز تطول وكان هو يتلهّى باستشارته الإلكترونية.. ووضع قانونه الانتخابيّ الجديد والناس يبحثون عن حليب أطفالهم.

  7. كانت أحوال الناس تضيق ولم يجد من سبيل إلى التوسعة عليهم غير انتخاب برلمان يحمل همّهم يرأسه تابع له جاء يتدرّب على استبدال الإيماء برأسه بما اعتاد من النطق بلسانه.. دخل برلمانه في حقبة سباته ولم تسبت التشريعات، بقيت تأتي من عند الرأس الواحدة التي اختزنت اختصاص إله له كلّ الأمر، من قبلُ ومن بعدُ.

  8. حياة الناس تزداد ضيقا.. الجوع يستفحل ولا طعام يسدّه والأمراض تستشري ولا دواء لوقاية ولا لعلاج.. والسيّد منشغل بوضع لمساته الأخيرة لتقسيم المقسّم إلى أقاليم ليقيم عليها مجلسه الموعود، مجلس الجهات والأقاليم.
    وقديما قال أهلنا حكمة لهم باقية:
    (ما ناقص المشنوق كان ماكلة الحلوى).

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock